زيد الفضيل

السامريون والقضية الفلسطينية

السبت - 22 مايو 2021

Sat - 22 May 2021

أقر الكيان الإسرائيلي صبيحة يوم الجمعة الفائت وقف إطلاق النار من جانب واحد، فخرجت الجموع الغفيرة في كل القرى والمدن الفلسطينية مستبشرة فرحة كما أبانته شاشات التلفزة العربية والعالمية؛ فرحة بانتصار الدم والإرادة على العربدة والجبروت الصهيوني، ومستبشرة بانتصار الصمود والوحدة بين كل الفلسطينيين على مختلف مشاربهم وتياراتهم وطوائفهم الدينية بل وجنسياتهم المتعددة، حتى أولئك النشء الذين ولدوا في دولة إسرائيل وحملوا جنسيتها بحكم احتلال أرضهم في حرب 48م، لم يقفوا محايدين في هذه المرة، بل كانوا مؤيدين لأهلهم في غزة والضفة، ومناصرين لكل مظاهر الصمود والوحدة أمام الصلف والعربدة اليهودية التي جمعت بين الاحتلال والنازية العرقية والعنصرية الاجتماعية والاعتداء الوحشي على المدنيين.

كان هذا الانتصار بسبب إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية التي تم حرف مسارها بقصد وبغيره خلال عقود هيمنة الإسلام السياسي على ثقافة ووعي المجتمع العربي بوجه خاص، في حينه شعر الآخرون من غير الإسلامويين ناهيك عن العرب المسيحيين بأنهم غير معنيين بالقضية، وكان ذلك مدخلا استفاد منه اليهود وعملوا بأجهزتهم ورجالهم على تعميقه في وجداننا القومي بوجه خاص. على أن ذلك سرعان ما انهار في هذه المواجهة العاصفة، فكان الجميع يدا واحدة، مسلمهم ومسيحيهم، يمينهم ويسارهم، شبابهم وشيبانهم، رجالهم ونسائهم، ويقف من ورائهم الأحرار في كل العالم، الذين يرفضون الظلم أيا كان مصدره.

في هذا السياق أذكر أني كتبت مرارا وتكرارا حول أهمية إعادة القضية الفلسطينية إلى مسارها الإنساني الصحيح ومن ذلك ما نشرته عام 2013م في الزميلة (جريدة المدينة) بعنوان «فلسطين إشكال الهوية والحضور»، حيث بينت خطورة تحويل القضية الفلسطينية من قضية إنسانية عامة يهتم بمتابعتها كافة شرائح المجتمع وأطيافه الدينية والفكرية، إلى قضية إسلامية خاصة لا يأبه بتطورها سوى جانب معين من مجتمعها، وكان من جراء ذلك أن تمكن الإسرائيلي من تفكيك المنظومة الفلسطينية وتشتيت وعيها أولا وقدراتها بالنتيجة، وهي غاية ما يسعى إليه الكيان اليهودي على مدار سنوات وجوده في أرض فلسطين المحتلة، وفي محيطنا العربي، ذلك أن قوتهم من ضعفنا وتهميش وعينا وتشتيت قدراتنا.

لقد ارتبط النضال الفلسطيني ومقاومة المحتل الصهيوني بالتيارات القومية (يمينية كانت أم يسارا)، فهي من ضحى أفرادها ذكورا وإناثا في سبيل مقاومة ومواجهة سياسات الاحتلال الصهيوني البغيض، وكانت في حينه تفت في عضد الكيان الغاصب، بل وتؤثر في خلفيات المجتمعات الأوروبية الداعمة للكيان الصهيوني، باعتبار أنها جماعات مناهضة لقوى الاحتلال، ليس بسبب خلفيته الدينية، وإنما بسبب ظلمه وتعديه ومخالفته للقوانين الدولية.

على أن ذلك قد تغير مع انحراف مسيرة النضال ببروز تيارات الإسلام السياسي التي تزعمت الخطاب خلال العقود السالفة، ليتحول الصراع عن مضمونه المدني الحقوقي الإنساني إلى مضمون آخر يمكن أن يفزع القوى المدنية في العالم، لا سيما مع تنامي الخطاب الراديكالي بنكهته الإسلاموية الذي حصر قضية فلسطين في تحرير المسجد الأقصى بمعزل عن كنائس بيت لحم وفلسطين، وبمعزل عن الإنسان الفلسطيني مسلما كان أم مسيحيا أو درزيا أو سامريا إسرائيليا.

أشير ختاما إلى أن السامريين الساكنين بجبل جرزيم بنابلس هم الممثلون الوحيدون لبني إسرائيل نسبا ودينا، وليسوا مثل باقي اليهود الذين تفرقوا في الأرض، ودخل فيهم الشذاذ من كل عرق ولون، وانحرفوا عن عقيدتهم التوراتية الصحيحة، ثم أريد لهم أن يتجمعوا (أشكنازا وسيفراديم)، وبإرادة سياسية استعمارية، ليحتلوا أرضا ليست لهم، ويقتلوا شعبا لا ينتمون إليه من قريب أو بعيد؛ بعكس السامريين المنتمين ذرية ودينا لبني إسرائيل، الذين لم يغادروا أرضهم منذ الأزل، وآمنوا بانتمائهم الوطني لفلسطين، وباللغة العربية لسانا لهم علاوة على اللغة العبرية، كما ارتكز دينهم على خمسة أركان أساسية وهي: وحدانية الله الواحد الأحد، ونبوءة موسى بن عمران كليم الله ورسوله، والإيمان بالتوراة المقتصرة على أسفار موسى الخمسة وهي: التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية، وقدسية جبل جرزيم قبلة السامريين، واليوم الآخر وهو يوم الحساب والعقاب.

والسؤال: هل من سبيل إلى إكمال تصحيح المسار أولا؟ وإعادة تصحيح الخارطة التاريخية والمعرفية لبني إسرائيل وفق ما يجب أن يكون، لا ما يريده يهود الخزر من الأشكناز وغيرهم المنتحلين هوية ليست لهم عبر التاريخ؟ سؤال أرجو أن نجيب عليه عبر مؤسساتنا المعرفية، ومراكز الدراسات المتخصصة إن كان لها وجود!؟

zash113@