عمر عبدالله السعدون

مقترح مفتوح لتأسيس هيئة شرعية مركزية للبنوك السعودية

الخميس - 20 مايو 2021

Thu - 20 May 2021

إن إصدار البنك المركزي السعودي لإطار الحوكمة الشرعية للبنوك المحلية عام 1441هـ، قد رفع سقف الأمنيات والتوقعات إلى مستوى عال جدا، حيث إن هذا الإطار قد أكد على أهمية مراعاة أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية في المصرفية الإسلامية والالتزام بها ووضع الأدوات والعوامل المعينة لتحقيق هذا الهدف الكبير والنبيل، ومن ذلك ما جاء في الباب الرابع: من إطار الحوكمة الشرعية في (المادة الأولى) تشكيل اللجنة الشرعية: «تشكل اللجنة ويعين أعضاؤها بقرار من مجلس إدارة المصرف بناء على توصية لجنة الترشيحات والمكافآت التابعة لمجلس الإدارة، وذلك بعد الحصول كتابة على عدم ممانعة (البنك المركزي)، ويمكن للمصرف الحصول على موافقة الجمعية العمومية العامة في المصرف لتعيين أعضاء اللجنة».

وبهذا يتبين أن هناك طريقتين لتعيين الهيئة أو اللجنة الشرعية، إما أن تكون عن طريق مجلس إدارة المصرف، وإما أن تكون عن طريق الجمعية العمومية للمصرف، وهذه أفضل طريقة وأقوى لاستقلالية اللجنة الشرعية، من الطريقة الأولى، وهذا ما يفعله مصرف الراجحي على سبيل المثال، والمطلوب تعميق الاستقلالية للجنة الشرعية وضمان حريتها في القرار وقوة المراقبة والتدقيق على تنفيذ ما قررته من فتوى، والتأكد من تطبيقه بالشكل الصحيح الموافق لقرار اللجنة.

وقد أكد إطار الحوكمة دعم اللجنة الشرعية ومنحها صلاحيات ومسؤوليات وألزم مجلس الإدارة بالأخذ بها كما في الباب الخامس: مسؤوليات ومهام اللجنة الشرعية ومنها: «(المادة العاشرة): مسؤوليات اللجنة الشرعية: تتحمل اللجنة الشرعية المسؤولية تجاه جميع قرارتها المتعلقة بالمسائل الشرعية، ويجب أن يعتمد المجلس (مجلس الإدارة) على اللجنة الشرعية فيما يتعلق بإصدار القرارات الشرعية بشأن ممارسة نشاط المصرفية الإسلامية، ويجب على اللجنة القيام بالمهام الآتية: ومنها الإشراف على مدى توافق التعاملات المصرفية الإسلامية للمصرف مع أحكام ومبادئ الشريعة، وإصدار القرارات، والتأكد من توافق السياسات والإجراءات الشرعية، ضمان توافق المنتجات مع أحكام ومبادئ الشريعة، وتقييم عمل الالتزام، والتدقيق الشرعي الداخلي لضمان الالتزام بالجوانب الشرعية، وإحاطة البنك المركزي بالحالات التي لا تتم فيها معالجة الأنشطة المصرفية الإسلامية غير المتوافقة مع أحكام ومبادئ الشريعة بشكل فاعل، أو عدم اتخاذ المصرف لأي تدابير تصحيحية بشأنها، وإعداد التقارير السنوية عن توافق نشاط المصرفية الإسلامية للمصرف مع أحكام ومبادئ الشريعة ورفعه لمجلس إدارة المصرف، وكل هذه الأعمال وغيرها تسمى (المراجعة الداخلية) وبهذا يتضح أن للهيئة واللجنة الشرعية في كل مصرف أدوارا وأعمالا في الإفتاء بإصدار القرارات، والمراقبة والمراجعة الداخلية الدائمة لضمان الالتزام بجودة التطبيق، والغاية هي الوصول لتطبيق كامل لما ورد في القرارات الشرعية بما يوافق أحكام الشريعة ومبادئها وعدم مخالفة ذلك، وكلما استقلت الهيئة واللجنة الشرعية عن الارتباط بالمصرف كلما تأكدنا من جودة أعمالها واستقلالية قراراتها، وقوة مراجعتها، لذلك كتبت هذا المقترح للبنك المركزي بقيادة معالي المحافظ الدكتور فهد المبارك -صاحب العقلية المالية، والإدارية الراقية والمتميزة، أضف إلى ذلك انتمائه لأسرة علمية فقهية كريمة، - وهذا المقترح هو: (إنشاء هيئة شرعية مركزية) بإشراف البنك المركزي، وتكون على شكل مجلس شرعي يضم رؤساء اللجان والهيئات الشرعية في المصارف المحلية، ليتدارس القرارات ويسعى للتوافق وتوحيد الفتوى بقدر المستطاع، وتوحيد الإجراءات، ويكون لهذا المجلس المركزي أمانة مركزية تقوم بدور (الرقابة والمراجعة الخارجية) على جميع البنوك، والتفتيش والتدقيق على (الرقابة والمراجعة الداخلية)، لضمان تحقق تطبيق المصرفية الإسلامية بما يوافق أحكام ومبادئ الشريعة، ويعتبر تطبيق القرارات الشرعية في المصارف هو التحدي الحقيقي والإشكال الكبير، فنجد أن هناك بونا شاسعا بين التنظير والتطبيق في بعض المصارف، بسبب عدم تطبيق القرارات الشرعية، أو تطبيقها بشكل ناقص أو بلا ضوابط مثل بعض عمليات (التورق المصرفي بلا ضوابط شرعية)، أو بعض عمليات (المرابحة)، بما يجعلها بيوعا صورية، تكون في حقيقتها بيوعا ربوية، وتشكيل هذه الهيئة الشرعية المركزية بإشراف مباشر من البنك المركزي، سوف يضمن الاستقلالية، والكفاءة، والجودة، وتوحيد القرارات بين اللجان الشرعية المختلفة أو تقاربها، بما يضمن تحقيق الهدف الرئيس الذي سعى له (البنك المركزي) بإصدار إطار الحوكمة الشرعية للبنوك المحلية، وأنا بصدد كتابة مذكرة مفصلة بهذا المقترح لرفعها لمحافظ البنك المركزي.. وهذا المقال ملخص لها، وفي الختام أدعو كل المهتمين من مجالس إدارات المصارف، ورؤساء وأعضاء الهيئات الشرعية، والفقهاء والماليين، لدعم هذا المقترح وتصويبه، وتنقيحه، وتطويره، للوصول إلى ما نصبو إليه جميعا من التزام بالشريعة الإسلامية في بلادنا في المعاملات المصرفية الإسلامية، لنكون نموذجا يقتدى به في كل العالم في مجال ضبط المعاملات المالية الإسلامية بما يوافق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، وبالله التوفيق.