ياسر عمر سندي

لا تشيخ يا شيخ

الأربعاء - 19 مايو 2021

Wed - 19 May 2021

يقال في الثقافة العربية إن الحركة بركة، وقليل من يعرف المعنى الحقيقي للبركة المتحققة وراء تحريك البدن وإكرامه بالغذاء الصحي بانتظام خصوصا بعد مرحلة البلوغ وصولا إلى الأربعين من العمر والتي تعتبر الفارق الزمني والجسدي بين الشباب والشيخوخة ليستمر العطاء البدني متوازيا مع التوقد الفكري للإنسان وهو سلامة العقل مع صحة الجسم فعندما سئل شخص ياباني تجاوز الـ80 من عمره وهو يمارس الرياضة بكل مرونة وانسيابية كيف وصلت لهذه الرشاقة والقوة البدنية؟ أجاب «اهتممت بجسدي 40 عاما وهو يهتم بي إلى الآن منذ 40 عاما».

جزيرة «أوكيانوا» اليابانية هي من أجمل المناطق التي يقصدها السياح لاعتدال مناخها ونقاء بيئتها وجمال طبيعتها الاستوائية بالإضافة إلى أن هنالك خصيصة يتميز بها سكان الجزيرة وهي أن أعمارهم تجاوزت الـ87 للسيدات والـ85 للرجال وهو أعلى متوسط للعمر في العالم وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في 2016 فإن اليابان لديها 520 معمرا لكل مليون شخص من المواطنين.

تضررت «أوكيانوا» أثناء الحرب العالمية الثانية وهي أكثر المناطق المنكوبة التي تم الإعلان عنها جراء الدمار الشامل والجوع والأمراض وعلى الرغم من ذلك فقد استعادت عافيتها بعد الحرب والآن تعتبر من الشواهد العالمية التي ألهمت الكثيرين إلى البحث والتحري وراء أسرار وجود المعمرين في هذه الجزيرة التي يتجاوز عدد سكانها 1.4 مليون نسمة.

أشار المهتمون وخبراء التغذية والصحة العامة وكذلك الأطباء إلى أن هذه الجزيرة اليابانية تخلو تماما من وسائل النقل العام مثل القطارات والحافلات وأيضا قلة وندرة السيارات الخاصة والتي تكاد تنعدم في المناطق الريفية والقروية والزراعية من الجزيرة الضخمة.

قام طبيب القلب الدكتور «ماكوتو سوزوكي» وفريقه البحثي بإجراء العديد من الأبحاث منذ عام 1970 والتي وصلت لأكثر من 700 بحث ودراسة وعينة إجرائية تجريبية لتبيان المسببات بين أمراض القلب والشيخوخة والتغذية والحركة وعلاقتها بالحالات المؤدية إلى الوفاة وطوروا مرجعا علميا يعتبر الأكثر أهمية والأول على مستوى العالم يضم جميع التجارب الطبية والغذائية الناجحة لشعب جزيرة أوكيانوا في كتاب سماه «برنامج أوكيانوا» الذي يوضح أهم الأسباب التي ساعدتهم على النشاط والحيوية لمراحل متقدمة من أعمارهم والتي تجاوزت الـ90 بعد إرادة الله سبحانه وتعالى وقدرته.

وهذا البرنامج الذي تطرق له الكتاب يسلط الضوء على أهم العادات المتبعة وكان أولها الحركة والمشي الدائم والمتواصل لقضاء متطلباتهم اليومية والتسويقية وذهابهم لأعمالهم وإنجاز مهامهم، ثانيا تناولهم لمحاصيلهم الزراعية الطبيعية من الخضراوات المتنوعة الغنية بالألياف بشكل منتظم ومتكرر، ثالثا الفواكه المنوعة بما لا يقل عن خمس مرات في اليوم والليلة وهذا ما يزيد لديهم الطاقة والقدرة على الحركة، ورابعا تناولهم القدر الكافي من الحبوب مثل الأرز المسلوق وبذور الشيا والشوفان والأهم من ذلك كله الآلية في ترتيب وضع الطعام على الطاولة وهو موروث شعبي قديم بحيث تحتوي على عدة أطباق مما ذكر سابقا والأهم أن يكون الطبق صغيرا جدا للشخص بتوليفة متنوعة من الخضار والفواكه والحبوب واتباع منهجية هامة وهي «إذا

أوشكت معدتك على الامتلاء ويمكنك تناول المزيد فتوقف فورا عن الأكل».

هذا بصفة عامة ما توصل له طبيب القلب الياباني وفريقه عن سر نشاط أهل هذه الجزيرة وقوة أبدانهم وذاكرتهم التي عاصرت عدة أجيال، فالشيخوخة مرحلة عمرية لا بد منها لكن الوصول إليها بقوة الشباب هو التحدي المطلوب حتى لا تشيخ مبكرا يا شيخ.

Yos123Omar@