شاهر النهاري

رياض ذات العماد

الجمعة - 22 يوليو 2016

Fri - 22 Jul 2016

لم نكن نصدق حينما نرى في فيلم أجنبي أحد كبار السن وهو يخرج ألعاب طفولته من مخبأ منسي، ويتضح لنا أن حالتها لا تزال جديدة كما هي، ولم نكن نصدق من يدعي ذلك لسيارة عتيقة حفظها في كراج مزرعته، ولا لمنزل ظل بأثاثه وستائره دون تغيير منذ عشرات السنين.

وعدم تصديقنا يحدث لأننا نحكم على ذلك بما نعرفه نحن من أجواء بلداننا الصحراوية القاتلة، والتي لا نلبث فيها أن ننتهي من إزالة الغبار المتراكم على الجدران والأرضيات، حتى نكتشف أننا لا بد أن نعود للتنظيف، مرة أخرى قبل أن تهب سموم الرياح مرة أخرى، محملة بعوالق ترابية، تكاد أن تفصلنا عن الحاضر.

أقول ذلك وأنا أتمعن لما يحدث في مدينة الرياض، تلك التي نبتت فيها خلال العامين المنصرمين عشرات الآلاف من الأعمدة الخرسانية العملاقة، والتي من المفترض أن يسير عليها القطار الأخطبوطي المأمول، في خضم أبدع مناظر قد تأخذ تخيلات بعضنا إلى حكايات إرم ذات العماد، وقد يتساءل البعض: كم عمودا كان موجودا في إرم البائدة، وهل كانت بهذه الروعة والقوة والمتانة الهندسية، بتميزها بالشكل المخروطي المقلوب، حين يكون الرأس أكبر حجما من القاعدة!؟.

ثم قد يتساءل شخص آخر عما حصل لأرم تلك، وهل كانت تسكن في عالم الشمال البارد، أم أنها كانت تسكن صحراءنا كثيرة الجرف والتقلب، والقاسية على كل مخلوق، والبارية لكل عمود ومنشأة.

مشروع قطار أو مترو الرياض، أعجوبة تفوق ضروب التخيل، بعمل دؤوب مستحيل كالسحر يحدث تحت الأرض، ولا تحدث فوقه الشقوق أو الاهتزازات، وبوجود مادي فوق جبين الأرض، قلب شكل المدينة، من صحراء، إلى ما يشبه غابات الأعمدة المتوازية، بخطوط ومسالك، وممرات عملاقة، وتناغم حجمي، يربط الأطراف البعيدة من هذه الصحراء، ويضم القريبة منها حد الاختناق.

مشروع لعظمته يسطر في ناصع صفحات التاريخ ويبقى، يحمل اسم من أمر ببنائه ورصد ميزانياته، المرحوم الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

مشروع نشاط يتحرك كالتيار الكهربائي، مشحونا بالطاقة، ورغم ما يسببه ذلك من تعثر للمواصلات، وكثرة حفر، وتحويلات، إلا أنه يستمر يدور كعقارب الساعة.

عمل خرافي لا شك أنه سيكون قريبا علامة نادرة الوجود في عالم صحراوي صعب المراس عسير، وأنه سيكون أيقونة كل المشاريع.

ولكن، ولا أحبذ كلمة لكن، ولكن ماذا سيكون بعد ذلك، وهل سيكون الاستخدام نموذجيا، وهل سيقاوم هذا القطار ظروف الجو العصيبة، وهل ستستمر عمليات النظافة والرعاية والصيانة، والتبديل لما يتأثر ويصدأ، أم أن الأمر سيترك لمعارك تنشب بينه وبين سوء الاستخدام من طرف، ومن سوء الأحوال الجوية من طرف آخر، حتى نعود للحديث عن عبرة إرم ذات العماد.

مشاريعنا محظوظة في بداياتها بتسابق الشركات المنفذة للحصول عليها، ومتعوسة بسرعة إهمال وتخلي الشركات عن المنتج بعد أن يصبح حقيقة على أرض الواقع.

مشروع رياض ذات العماد يحتاج إلى ميزانيات عظيمة في المستقبل، ويحتاج إلى أعمال نظافة وصيانة مستمرة على مدى الساعة، فهل الجهات المختصة مستعدة لتلك المسألة، وهل هي ضمن رؤيتها؟.

أتمنى ذلك.