ماجد التميمي

كليات التربية وحرية الاختيار

الثلاثاء - 11 مايو 2021

Tue - 11 May 2021

في هذا الشهر ستخرج كليات التربية عددا كبيرا من المؤهلين للعمل في قطاع التعليم، هؤلاء الخريجون يتشابهون كثيرا بالمعارف التي اكتسبوها من خلال دراستهم الجامعية ويكون الاختلافات بينهم في درجة معرفتهم بتلك المعارف.

حتى مع اختلاف الجامعات التي تخرجوا منها فهم أيضا متشابهون بمعارفهم لتشابه الخطط الدراسية في كليات التربية بالجامعات السعودية، وإن وجد اختلاف فهو ليس في جانب التأهيل للمجال التربوي والتعليمي.

هذا التشابه يُصَعِب على الجهات الموظفة من معرفة من هو المعلم المناسب لاستراتيجياتهم التعليمية ولا يخدم أيضا هذا التشابه التنوع والتعددية في أساليب وأنماط تعلم المتعلمين، فمعلموهم أُهِلوا على أن يكونوا متشابهين لا متنوعين بأنماطهم ومدارسهم وفلسفاتهم التعليمية.

فكلياتهم التربوية التي تخرجوا ربما مكنتهم من تذوق قطرة أو ربما رشفة من كل بحر ولكنها لا تعينهم من الارتواء من البحر الذي استلذوا حلاوته. فما تقدمه كليات التربية للطالب الجامعي أو حتى من هو بمرحلة الدراسات العليا استعراضا للنظريات التربوية وفلسفاتها وغالبا ما تدرس تلك النظريات بمقرر واحد فلا يتمكن المتعلم من التعمق في معرفة أي نظرية من تلك النظريات فما وصل له رؤوس أقلام عن تلك النظريات ولا تتاح له خيارات لمقررات أكثر تعمقا بتلك النظريات وقد كانت تعذر الجامعات في ذلك.. قد كانت تعذر الجامعات لأنه يصعب على الجامعة أو الكلية توفير مقرر دراسي لكل نظرية لصعوبة توفر أساتذة لتدريس كل النظريات والفلسفات التربوية على حدة وبتعمق فهي بالكاد تستطيع تغطية المقررات الرئيسة بالكلية.

وحتى ولو توفر الكادر الأكاديمي الكافي لتدريس تلك المقررات فستكون هناك إشكالية بكفاءة الإنفاق أو التكلفة العالية للمقرر وذلك لأن الطلاب الملتحقين بكلية التربية سيتوزعون على عدد أكثر من المقررات مما يجعل العدد المسجل بكل مقرر قليلا لا يتناسب مع تكلفة الأستاذ الجامعي والقاعة الدراسية وغيرها من التكاليف.

وحتى إن زيدت أعداد الـقبول بكليات التربية لاتساع الطاقة الاستيعابية فسيولد ذلك إشكالية أخرى بتخريج أعداد قد تفوق الطاقة الاستيعابية لسوق العمل الذي لم يستوعب الأعداد الحالية. هذه الإشكاليات في زيادة المقررات الدراسية التي قد تعين المتعلم على التعمق بالمعرفة في المجال التربوي وتنوع من خريجي الكليات التربية بما يتوافق مع تعددية الفروق الفردية بين الطلاب يمكن أن تزاح باستثمار مزايا التعليم عن بعد. فالجامعات وكليات التربية يمكنها من تنويع المقررات الدراسية ومن دون تكاليف إضافية وذلك بتكاملها وتشاركها مع الكليات الأخرى.

كل يكمل الآخر بدلا من أن كل يكرر الآخر ويزيد الضغط على سوق العمل بمعلمين متشابهين لا يتمايزون إلا بالمعدل التراكمي الأكاديمي ثم يحاول أن يمايز بينهم أو يفرزون بالاختبارات المعيارية بطريقة لا تلبي ما يحتاجه سوق العمل أو العملاء فعليا بتوفير مقدمي خدمة متعددين بمعارفهم في نظريات وفلسفات التربية تتناسب مع تعدد احتياجات المتعلمين والفروق بينهم الفردية في أساليب تعلمهم.

تكامل الكليات المقصود هنا هو بأن توفر كل كلية تربية المقررات التي يوجد لها كادر أكاديمي متميز في تدريسه وجعلهم يقدمون تلك المقررات بشكل أعمق وبمستويات متعددة وتلبي احتياجات طلابها التعليمية بدراسة مقررات ونظريات أخرى من خلال شركائها من الجامعات الأخرى التي يوجد بها كادر أكاديمي متميز بتدريس تلك النظريات وهؤلاء الشركاء كل يكمل الآخر باحتياجاته التي توفر لطلاب هؤلاء الكليات ما يريدون دراسته من مقررات إضافية عن طريق كادر تعليمي متميز ومن دون أن يترتب على الجامعة زيادة عدد الكادر التعليمي عندها. فعلى سبيل المثال تختص إحدى كليات التربية بتدريس استراتيجيات التدريس البنائية فيدرس بها نظرية بياجيه وبرونو وديوي وتهتم كلية أخرى باستراتيجية التدريس البنائية الاجتماعية فيدرس بها نظرية فيجوتسكي وما تطور منها مثل نظرية كلوب في التعليم التجريبي.

وتدرس كل نظرية أو استراتيجية تعليمية بمقررات متعددة المستوى يتمكن من خلالها الطالب الجامعي من معرفة النظرية وكيفية استخدامها ويصمم دروسا مبنية على تلك النظرية ويحاول الوصول لمرحلة نقدها بمقارنتها بالنظريات الأخرى التي درسها بشكل أعمق عند أستاذ متميز بها أو منتميا لمدرسة تلك النظرية التعليمية.

كل ما على الجامعات أو كليات التربية بالجامعات السعودية أن تحدد نقاط قوتها أو بعبارة أخرى ما المقررات التي يمكن لها أن تبيع مقاعد دراسية فيها لطلاب الجامعات الأخرى مما يجعل كليات التربية تتمايز بما تقدمه من مقررات لطلابها مع تيسير التحاق الطلاب من الجامعات الأخرى بتلك المقررات عن بعد وحتى إن كانت تلك المقررات تقدم حضوريا. هذا التيسير لن يقلل فقط التكاليف من زيادة المقررات الدراسية ويزيد خيارات المتعلمين بدراسة المقررات التي يودون دراستها بل أيضا سيمكن كل متعلم جامعي من التعلم عند أستاذ أكاديمي متبنيا ومنتميا لنظرية تربوية يكون أكثر عطاء بالتعريف بها أو تعليمها وسيشكل قاعة دراسية أكثر تنوعا، فالطلاب سيكونون من خلفيات معرفية متنوعة فطالب سيأتي من كلية متبنية نظرية فيجوتسكي وطالب من المدرسة السلوكية فيجعل النقاشات داخل القاعة أكثر عمقا هذا بخلاف اختلاف خلفياتهم الثقافية حتى وإن كانوا جميعهم سعوديين فهم من كليات من مناطق مختلفة يقيمون بها هذا إذا لم تتوسع تلك الشراكات لتشمل جامعات خليجية أو حتى عربية.

majed233@