طارق علي الصالحي

4 أيام عمل مقابل 3 أيام إجازة.. هل هي مجدية؟

الاحد - 09 مايو 2021

Sun - 09 May 2021

يبدو أن مفهوم العمل لدى العديد من دول العالم بدأ يتجه نحو إنتاجية الأفراد بدلا عن تقييدهم بأيام عمل طويلة داخل القطاعات المغلقة، فالنجاح المبهر والنقلة النوعية التي أحدثتها التكنولوجيا منذ دخولها عالم التجارة والأعمال ونظام ما يسمى بالعمل عن بعد الذي فرضته جائحة كورونا على العالم أثبت أن الحضور الجسدي للموظفين لفترات طويلة قد لا يعتبر الحل الأمثل لرفع مستوى الإنتاج وتحسين مخرجات القطاعات بشقيها الحكومي والخاص.

فقد قدم رواد الأعمال الجريئون وصناع القرار المتميزون على مر التاريخ طرقا ووسائل مختلفة لتسيير الأعمال التجارية والتعليمية والخدمية والتي تعتمد في جوهرها على الإبداع والجودة العالية بعيدا عن النظم التقليدية المتعارف عليها. ومن هذه الأفكار ما تبنته مؤخرا بعض الدول والشركات النشطة اقتصاديا واجتماعيا لتحسين مخرجاتها كما وكيفا وذلك بتعديل أوقات العمل لتصبح أربعة أيام بالأسبوع بدلا من خمسة أيام مما يجعل الإجازة الأسبوعية ترتفع لثلاثة أيام وبدون أي تأثير على رواتب الموظفين!.

هذا التعديل الذي اعتبره أصحاب المدارس التقليدية جنونيا ويدعو للكسل لاقى استحسان وقبول فئات واسعة من قطاعات العمل والموظفين مثل ما حدث مع شركة مايكروسوفت باليابان التي أجرت دراسات علمية واستطلاعية أثبتت نتائجها أن رفع أيام الإجازة الأسبوعية أدت إلى تحسين الصحة العقلية للعاملين ورفعت مستوى الإنتاج والجودة للشركة بنسبة 40 %. هذه المبادرة لم تجذب فقط انتباه الشركات الأخرى داخل أو خارج اليابان بل جذبت انتباه دول بأكملها، حيث تقوم العديد من دول العالم بدراستها وعلى رأسها ألمانيا ونيوزيلندا وإسبانيا التي سبقتهم جميعا ووافقت مؤخرا على مشروع تجريبي يخفض عدد أيام العمل ويرفع أيام الإجازة الأسبوعية لثلاثة أيام.

رئيسة وزراء فنلندا التي احتلت دولتها للسنة الرابعة المرتبة الأولى كأسعد دولة في العالم أيضا دعت لأهمية إصدار قانون لتقليص عدد أيام العمل للموظفين ورفع الإجازة الأسبوعية لكي يتمكن العاملون من قضاء أكبر وقت ممكن مع عائلاتهم ليعود ذلك بالمنفعة عليهم وعلى رفع جودة المنتجات الفنلندية.

ولمعرفة مدى جدوى هذا النوع من المبادرات التي تستهدف تعديل الأنظمة السائدة في القطاعات الحيوية لابد من الوقوف على حيثياتها ودراسة إيجابياتها وسلبياتها بعمق للتعرف على إمكانية ملائمتها للمجتمع اقتصاديا ونفسيا واجتماعيا وحتى صحيا، وعليه لخصت في هذا المقال بعض المميزات والتحديات التي قد يسترشد بها المختصون وصانعو القرار ممن يوافقون أو يرفضون مثل هذا النهج بنظام العمل بالمملكة.

المميزات

يرى العديد من علماء النفس والاجتماع أن الإجازات الأسبوعية تعتبر ذات أهمية كبيرة لكافة موظفي القطاعات العامة والخاصة وذلك لتقليل الضغط والإجهاد الذي يقع على الموظفين بسبب قلة عدد أيام الإجازات السنوية وروتين العمل المتواصل مما يؤدي إلى انخفاض جودة الإنتاج والحالة المزاجية لدى الموظفين.

كما يعتقد المنادون بتخفيض عدد أيام العمل الأسبوعية ورفع عدد أيام الإجازات الأسبوعية أن ذلك سوف يجعل الموظف ينظر للحياة من زاوية مختلفة تعلوها الإيجابية الأمر الذي يسهم في رفع هرمون السعادة لديه ويزيد أوقات المتعة والترفيه له ولعائلته ويساعده في ممارسة هواياته، ليصبح أكثر نشاطا وحيوية وحماسا عند عودته للعمل.

كما أن تخفيض عدد أيام العمل الأسبوعية ورفع عدد أيام الإجازات الأسبوعية بالمملكة ربما تكون خطوة مثيرة للاهتمام والدراسة كون المجتمع السعودي يعتبر من المجتمعات المترابطة اجتماعيا وأسريا وبنفس الوقت يتعامل أغلب الموظفين السعوديين بجدية عالية تجاه المهام الموكلة لهم مما يجعلهم يعملون لعدد ساعات عالية حتى ينجزوها بإتقان قبل مغادرتهم أماكن عملهم مما يترتب على ذلك إرهاقا قد يستوجب إجازات أسبوعية كافية لإعطائهم فرصة لممارسة هواياتهم وزياراتهم الأسرية وحضور الفعاليات والأنشطة المجتمعية، مما سوف يصب في رفاهية المواطن والعملية الاقتصادية بشكل كامل.

كما أن هناك حلولا أخرى قد تجمع بين تقليص عدد أيام العمل الأسبوعية ورفع عدد أيام الإجازات الأسبوعية من خلال زيادة ساعة أو ساعتين عمل في كل يوم للحصول على زيادة في عدد ساعات العمل الأسبوعية مقابل إغلاق ثلاثة أيام الأمر الذي قد يكون مقنعا لبعض أصحاب العمل والجهات المشغلة خصوصا أن ذلك سوف يوفر عليهم العديد من التكاليف والمصاريف وتقدم لهم أوقات مرنة للأعمال اللوجستية والصيانة والانتقال.

كما أن فكرة تخصيص يوم عمل يكون من المنزل وأربعة أيام حضورية قد تكون أيضا حلولا جديرة بالاهتمام والتحليل وذلك لكسر روتين العمل وتحفيز الموظفين لرفع الإنتاج والشعور بقربهم من عائلاتهم مما حتما سوف يرفع الإنتاج والإبداع ومستوى المخرجات.

فالعمل من المنزل لم يعد أمرا جديدا على المجتمع السعودي ، فقد مارس ما يقارب من 80 % من الموظفين بالمملكة أعمالهم عن بعد خلال جائحة كورونا، وبدأت الكثير من الشركات والجامعات وغيرها من القطاعات الأخرى بافتتاح فروع وبرامج تدار بشكل كامل عن بعد.

ولا تعتبر استراتيجية إلغاء اليوم الخامس أو توزيع عدد ساعاته على باقي أيام الأسبوع أو تحويل العمل في هذا اليوم ليصبح من المنزل مفيدا فقط لرفع الجودة الإنتاجية ورفاهية الموظفين وتحريك العملية الاقتصادية فقط بل تعتبر أيضا فرصة لتخفيض نسبة البطالة وزيادة تنوع الدخل للأفراد ذوي الدخل المحدود والمتوسط، حيث تعتبر إجازة الثلاثة أيام فرصة لمن يبحث عن دوام جزئي أو كلي خصوصا في القطاعات الترفيهية والمطاعم ودور السينما وغيرها من القطاعات التي سوف تعج بالزوار خلال هذه الإجازات والتي عمليا سوف تبدأ من منتصف اليوم الرابع حتى انتهاء اليوم الثالث.

التحديات

لا يختلف اثنان على أن المبادرات الجديدة لا تخلو من تحديات يجب أخذها بعين الاعتبار ووضع حلول لها لضمان نجاحها واستمرارها على أرض الواقع، ومن أهم التحديات التي قد يواجهها المجتمع في هذا الصدد الحد من السياحة الخارجية واستبدالها بالسياحة الداخلية خلال الإجازات الأسبوعية.

فالسعوديون يتجهون دائما نحو السفر في إجازاتهم، وهنا يأتي دور قطاعات الترفيه والسياحة وغيرها من القطاعات ذات العلاقة لتوجد لنا حلولا عملية لجذب المواطنين للسياحة الداخلية ومن أهمها ما توفره شركات السياحة بالدول المجاورة والمعروفة باستقطاب السائحين، حيث توفر برامج الرحلات المدفوعة بشكل كامل والتي تشمل تذاكر السفر والفنادق والتنقل وغيرها.

أما التحدي الثاني فيكمن في التعاملات الدولية للقطاعات الحكومية والخاصة بالمملكة والتي قد تتأثر في حال كانت أوقات العمل أربعة أيام لو افترضنا أنها تبدأ يوم الأحد وتنتهي يوم الأربعاء مما ينتج عنها خسارة يومين وهذا حتما سوف يؤثر على تعاملاتنا الدولية خصوصا الاقتصادية منها كالبنوك وقطاعات الاستيراد والتصدير.

إلا أن هناك حلولا قد تحد من هذا التحدي ومنها دخول يوم الأحد ضمن الإجازة الأسبوعية لتبدأ أيام العمل الأسبوعية يوم الاثنين وتنتهي يوم الخميس وهنا نعود على ما كنا عليه في نظام العمل الحالي.

كما أن تخفيض عدد أيام العمل الأسبوعي ورفع عدد أيام إجازاته قد لا تتوافق مع بعض القطاعات خصوصا التعليمية منها، فالمعلمون وخبراء التربية لا يحبذون عادة تخفيض عدد أيام الدراسة خصوصا لمراحل التعليم العام لضمان عدم تأثير ذلك على التحصيل العلمي للطلاب والطالبات مما قد ينعكس سلبا على مخرجات العملية التعليمية.

هذا التحدي ربما يكون الأهم والأكثر حساسية، وعليه يجب دراسته بتأن من قبل خبراء التربية والتعليم لضمان انسيابية العملية التعليمية وحصول الطلاب على تعليم كاف يتوافق مع رؤية المملكة 2030.

ولمعرفة مدى نجاح مثل هذه المبادرة من عدمها على مجتمعنا ومصالحنا الوطنية والدولية لا بد من إجراء مزيد من الدراسات العلمية والاستطلاعية وتطبيقها بشكل تدريجي على بعض القطاعات لمعرفة مستوى التأثير الذي سوف تحدثه على الوطن والمواطن ومدى انعكاس هذا النهج على باقي دول المنطقة التي حتما سوف تطبقه في حال قمنا بذلك كون المملكة تعتبر نبراسا يقتدى به في التطور والنمو والإبداع والمعرفة.

Dr_Talsalhi@