عمر عبدالله السعدون

مجير (أم عامر).. وتقصير وزارة البيئة والجمارك

الجمعة - 07 مايو 2021

Fri - 07 May 2021

يحكى أن جماعة من العرب خرجت للصيد، فعرضت لهم أنثى الضبع فطاردوها، وكان العرب يطلقون عليها (أم عامر)، وكان الجو شديد الحر، فلجأت أنثى الضبع إلى بيت أعرابي، هربا ممن يطاردها، فلما رآها وجدها مجهدة من الجري وشدة الحر، ورأى أنها استجارت به، فخرج إلى من يطاردها سالا سيفه، وسأل القوم: ماذا تريدون؟، فقالوا: طريدتنا ونريدها، فقال الأعرابي (الشهم الرحيم) الذي رق قلبه على هذا الحيوان المفترس «إنها دخلت بيتي واستجارت بي، ولن أسلمها لكم مادام هذا السيف في يدي»، فانصرف القوم؛ لأنهم يعرفون قيمة الجوار عن العرب، ثم رجع الأعرابي إلى أم عامر فوجدها جائعة، فحلب له شاته، وقدم لها الحليب فشربت حتى استردت قوتها وعافيتها، فاطمأن الأعرابي عليها، وبعدها خلد إلى النوم، فانقضت عليه وبقرت بطنه وأكلت لحمه وشربت دمه، ونسيت ما فعله بها.. وفي الصباح أقبل ابن عم الأعرابي يطلبه، فوجده مقتولا ممزق اللحم مبقور البطن، وعرف أن الفاعلة لذلك (أم عامر) فاقتفى أثرها ووجدها فرماها بسهم فأردها قتيلة ثم أنشد هذه الأبيات:

ومن يصنع المعروف في غير أهله .. يلاقي الذي لاقي مجير (أم عامر)

وحدث مثل هذه القصة أخيرا في مدينة الرياض، حيث انقض (أسد) على من رباه شبلا صغيرا، فأرده قتيلا، رحمه الله وجبر مصاب أهله.

لقد ظهر في بلادنا في الفترة الأخيرة، مظهر من مظاهر الترف الممزوجة بالجهل والمراهقة، وهي مظهر ومشهد (تربية الحيوانات المفترسة) التي نشاهدها في وسائل التواصل الاجتماعي، واللعب معها، وظنوا أن هذه الحيوانات المفترسة ستنسى فطرتها وغريزتها وجبلتها وهي الافتراس في أي حالة تجوع فيها أو يتغير مزاجها الذي لا نملك آلة لقياسه، والمصيبة أن اللعب بالنار والمرور على حقل ألغام لا يسمح لك بالتجربة فيه إلا مرة واحدة، لأنك قد تفقد حياتك بعد هذه التجربة، ولا شك أن تربية هذه الحيوانات المفترسة واللعب معها هو مثل اللعب في حقل ألغام، وأما بيع وشراء هذه الحيوانات المفترسة فهو لا يجوز شرعا إلا في حالات ضيقة كتجارب علمية ونحوه. قال الإمام النووي -رحمه الله - في كتاب المجموع (القسم الثاني من الحيوان) «ما لا ينتفع به فلا يصح بيعه، وذلك كالخنافس والعقارب والحيات،.. قال أصحابنا: وفي معناه السباع التي لا تصلح للاصطياد ولا للقتال عليها ولا تؤكل، كالأسد والذئب والنمر والدب وأشباهها، فلا يصح بيعها،لأنه لا منفعة فيها».

وقال الإمام البهوتي الحنبلي - رحمه الله - في كتاب كشاف القناع «ولا يصح بيع سباع البهائم ولا جوارح طير لا تصلح للصيد، كنمر وذئب ودب وسبع وحدأة ونسر ونحوها،لأنه لا نفع فيه كالحشرات».

وقد صدرت فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة بأنه «لا يجوز بيع المفترسات من الذئاب والأسود والثعالب وغيرها من كل ذي ناب من السباع، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك، ولما في ذلك من إضاعة المال، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال».

وقد صدر الأمر السامي الكريم (بمنع استيراد كافة الحيوانات المفترسة إلى المملكة سواء للاستخدام الشخصي أو التجاري)، وأعلنت وزارة البيئة والمياه والزراعة عن بدء تطبيق اللائحة التنفيذية للاتجار في الكائنات الفطرية ومنتجاتها ومشتقاتها، وقد صدرت عقوبات منصوص عليها في نظام البيئة للمخالفين في بيع واستيراد وتربية الحيوانات المفترسة قد تصل إلى 30 مليون ريال وسجن 10 سنوات للمخالفين.

والسؤال الكبير والخطير: من المسؤول عن التساهل والتقصير في تطبيق هذا الأمر السامي ونظام البيئة ولائحته التنفيذية؟

حيث إننا نشاهد وبكثرة في هذه السنوات الأخيرة زيادة أعداد المراهقين وأشباه المراهقين في تربية الحيوانات المفترسة واللعب معها والتصوير معها والاستعراض بها في وسائل التواصل الاجتماعي.. فأين المسؤولون من هذه القنابل الموقوتة وحقول الألغام التي ستودي بحياة أبنائنا في أقرب فرصة ومناسبة كما حصل ذلك مع احد المواطنين رحمه الله، إن حماية الأنفس من أهم الأمور التي يجب عملها وعدم التساهل فيها وهي من مقاصد الشريعة الغراء، فيجب حماية المجتمع وفرض قوة النظام من هذا الخطر، ومن المستفيد من هذا التقصير والتساهل بأرواح الناس؟، أضف إلى ذلك هروب بعض هذه المفترسات من أماكنها مما سوف يعرض حياة الناس للخطر، وكأننا نعيش في غابة بعيدة عن العمران، أين وزارة البيئة والمياه والزراعة؟، وأين الهيئة العامة للجمارك؟، ومن الذي سمح وأذن بدخول الحيوانات المفترسة للمملكة مخالفا الأمر السامي الكريم وفتاوى اللجنة الدائمة وأنظمة الدولة؟ أين دور النيابة العامة لحماية الأنفس؟، إن هذا الملف المهمل يجب أن يفتح ويحاسب كل مقصر في تطبيق النظام، حفظنا الله وإياكم من كل بلاء وعافنا الله وإياكم.