ناصر القصبي يجمعنا.. قبل «فك الريق»
الأربعاء - 05 مايو 2021
Wed - 05 May 2021
في شهر رمضان المبارك يلتم الصائمون حول مائدة التلفاز بعد مائدة الإفطار. صحيح أن رمضان يجمعنا، لكن حول مائدة واحدة فقط؛ لأنه بعد مشاهدة البرامج الرمضانية المتسلسلة يعود الحوار مرة أخرى عن جدوى بعض البرامج الرمضانية وعن مضمونها وعدم تقديمها من جديد. يتحول هذا الحوار إلى سجال صاخب منسحبا على ساحة الرأي العام طيلة شهر الصيام. ليدخل في سبات طويل مع انقضاء الشهر الفضيل، ثم يصحو مع الإعلان (رمضان يجمعنا) بعد سنة. سنة من بعد سنة هذه هي دورة السجال. والفنان ناصر القصبي لا ينافسه أحد، يجلس على القمة، عارضا ومتعرضا لسهام السجالين.
كما في كل موسم تنقسم الساحة بين منتقد ومدافع عن هذه البرامج. بينما يضيع العمل الفني مع آخر الشهر الكريم بلا تقدير أو وسام ولربما من دون ذكرى. فلو سألت أحدكم عن برامج السنوات الماضية يا ترى أيهما سنتذكر؟ في حين تبقى برامج رمضانية قديمة مطبوعة في الذاكرة الجماعية لا تمحى. اسأل مستفسرا إن كان لدى الجيل الجديد ارتباطا تراثيا مع البرامج المقدمة اليوم؟
مهم جدا هذا الارتباط التراثي. هو من النوع الذي يتغلغل في الذاكرة الجماعية مشكلا خط الدفاع الأول عن الهوية الوطنية. هنا لا أستثني أي نوع من البرامج. كل عمل فني هو إنتاج يجب الحفاظ عليه من خلال إيداعه خزانة التراث ومن دون تصنيف. فهناك من لا يزال مصرا على ممارسة الطبقية تجاه عالم الفن. على اعتبار أن هناك فنا هابطا وفنا راقيا. مما يعني انتقاد الفنانين فقط من دون الفن ذاته. ليقذف بعدها الفنان بوابل من الهجاء. خطيئتهم إن اجتهدوا بإنتاج عمل من داخل بيئتهم وليس من خارجها. هذه الممارسة الفوقية تحدث كل موسم مع الفنان ناصر القصبي تحديدا.
أقول من داخل وليس من خارج البيئة؛ لأن الفن نتيجة وليس سببا. الفنان إنسان يتفاعل مع بيئته فينتج فنا. وقد شرح المفكر السوداني حيدر إبراهيم علي هذه العلاقة ببلاغة حين قال «إن الإنسان حين يحضن الطبيعة ينتج الفن، وحين يتحدى الطبيعة ينتج التكنولوجيا».
أيضا لا يزال يرى البعض في المحاسبة على النيات نقدا فنيا مقبولا. فيصبح الحديث عن الشخص لا العمل. مثلا: الفنان ناصر القصبي كان يقصد كذا وكذا في حلقته الماضية. والكذا وكذا حمالة أوجه. لكن كذا الأولى غير الثانية. لأن القصبي كان كذا في السابق ثم أصبح كذا لاحقا. صدقا هكذا يتم الحوار. لا أحد يعرف الكذا الأولى من الثانية. في محاكمة علنية كل مشارك فيها قاض وجلاد.
لا أعرف الرجل على الصعيد الشخصي. لكنني أتذكره منذ أيام برنامج (حمود ومحيميد). وما أدعي معرفته أنني لا أستسيغ تنميطه المستمر للهويات المتعددة في المجتمع. إلى متى ينمط ابن القصيم بالثعلب؟ وابن الحجاز بالخفيف؟ والبدوي بالبسيط؟ أفهم أن الفن عمل يظهر مكونات المجتمع بمبالغة درامية وكوميدية لكن كل موسم؟ اسأل لأنني لم أجد هذا التنميط في برنامج (العاصوف) الرائع والجميل قبل موسمين. هل لأنه كان عمل فني درامي/كوميدي متكامل من النص مرورا بالإخراج ووصولا الى التمثيل؟ ففي هذا العمل وجد الثعلب والخفيف والبسيط من ضمن العائلة الواحدة!
أنا لا أدافع عن القصبي ولا أنتقده. لأن الموضوع ليس شخصيا. ببساطة أنا أنتقد الجمهور الذي يخاطبه القصبي. من الواضح أن الجمهور (عاوز كده). ويريد أكثر السجال حول القصبي. ما أريد قوله إن القصبي ليس المشكلة. على كل لم يخطئ القصبي باحتضانه للرواية الشعبية وملحقاتها. هو يواصل العمل في تقديم الأعمال الفنية بالرغم من التهميش المستمر للإنتاج النثري المؤسس لهذه البيئة. الروايات الشعبية بحسب تعبير الناقدة سميح سليم في دراستها المهمة (وسائل تسلية الشعب: الترجمة والرواية الشعبية والنهضة في مصر) تعتبر الأصل الأول للفن.
يأخذنا الموضوع من السجال حول القصبي وإلى السجال الأصلي. اعتقد آن الأوان مقاربة الموضوع من زاوية أخرى بدلا من الدخول في السجال في كل دورة عن الأشخاص ودورهم. زاوية لا تقترب من الحوار على قاعدة من أسهم في إنجاب الطفل (البرنامج) أكثر: الأم أم الأب؟
هناك بيئة حاضنة، رحم ولد منه العمل، اسمه الثقافة. ثمة عامل أساسي في تهيئة البيئة الفنية تقع على عاتق وزارة الثقافة بما أنها البيئة المعنية بتقريب رأسي عالم الفن، المنتج والفنان، بالحلال. أقصد بالحلال كل ما يندرج تحته من قوانين وابتكار. والعمل الحلال يضاعف في الأجر. من أخطأ له أجر ومن أصاب له أجران. طالما أنه تحت القانون. وهو ما ينطبق على القصبي.
تقتضي المهمة من الوزارة مساندة شركات الإنتاج بتقديم نصوص فنية جديدة. الوزارة منوطة بتهيئة البيئة التي تنتج فنا وفنانين. وهي المسؤولة عن صناعة الذاكرة التراثية. قد يستدرك البعض أن أحد هيئات الوزارة معنية بذلك. هيئة الأدب والنشر والترجمة المؤسسة حديثا لعلها تسهم في السنة المقبلة.
هل من الممكن الاستعانة بفنانين وكتاب ومخرجين حضنوا الطبيعة على حد وصف المفكر حيدر إبراهيم علي وأنتجوا فنا يوم كان فعلهم يعتبر أمرا مكروها؟ أين هيفاء المنصور ومحمود صباغ وسمر البيات وغيرهم كثير؟ يملك الأرشيف السعودي أعمالا كثيرة تستحق أن تنتقد بجانب أعمال ناصر القصبي. هذا بالحد الأدنى. أما بالحد الأقصى، إنتاج عمل فني متكامل الأبعاد يجمعنا بعد (فك الريق).
كما في كل موسم تنقسم الساحة بين منتقد ومدافع عن هذه البرامج. بينما يضيع العمل الفني مع آخر الشهر الكريم بلا تقدير أو وسام ولربما من دون ذكرى. فلو سألت أحدكم عن برامج السنوات الماضية يا ترى أيهما سنتذكر؟ في حين تبقى برامج رمضانية قديمة مطبوعة في الذاكرة الجماعية لا تمحى. اسأل مستفسرا إن كان لدى الجيل الجديد ارتباطا تراثيا مع البرامج المقدمة اليوم؟
مهم جدا هذا الارتباط التراثي. هو من النوع الذي يتغلغل في الذاكرة الجماعية مشكلا خط الدفاع الأول عن الهوية الوطنية. هنا لا أستثني أي نوع من البرامج. كل عمل فني هو إنتاج يجب الحفاظ عليه من خلال إيداعه خزانة التراث ومن دون تصنيف. فهناك من لا يزال مصرا على ممارسة الطبقية تجاه عالم الفن. على اعتبار أن هناك فنا هابطا وفنا راقيا. مما يعني انتقاد الفنانين فقط من دون الفن ذاته. ليقذف بعدها الفنان بوابل من الهجاء. خطيئتهم إن اجتهدوا بإنتاج عمل من داخل بيئتهم وليس من خارجها. هذه الممارسة الفوقية تحدث كل موسم مع الفنان ناصر القصبي تحديدا.
أقول من داخل وليس من خارج البيئة؛ لأن الفن نتيجة وليس سببا. الفنان إنسان يتفاعل مع بيئته فينتج فنا. وقد شرح المفكر السوداني حيدر إبراهيم علي هذه العلاقة ببلاغة حين قال «إن الإنسان حين يحضن الطبيعة ينتج الفن، وحين يتحدى الطبيعة ينتج التكنولوجيا».
أيضا لا يزال يرى البعض في المحاسبة على النيات نقدا فنيا مقبولا. فيصبح الحديث عن الشخص لا العمل. مثلا: الفنان ناصر القصبي كان يقصد كذا وكذا في حلقته الماضية. والكذا وكذا حمالة أوجه. لكن كذا الأولى غير الثانية. لأن القصبي كان كذا في السابق ثم أصبح كذا لاحقا. صدقا هكذا يتم الحوار. لا أحد يعرف الكذا الأولى من الثانية. في محاكمة علنية كل مشارك فيها قاض وجلاد.
لا أعرف الرجل على الصعيد الشخصي. لكنني أتذكره منذ أيام برنامج (حمود ومحيميد). وما أدعي معرفته أنني لا أستسيغ تنميطه المستمر للهويات المتعددة في المجتمع. إلى متى ينمط ابن القصيم بالثعلب؟ وابن الحجاز بالخفيف؟ والبدوي بالبسيط؟ أفهم أن الفن عمل يظهر مكونات المجتمع بمبالغة درامية وكوميدية لكن كل موسم؟ اسأل لأنني لم أجد هذا التنميط في برنامج (العاصوف) الرائع والجميل قبل موسمين. هل لأنه كان عمل فني درامي/كوميدي متكامل من النص مرورا بالإخراج ووصولا الى التمثيل؟ ففي هذا العمل وجد الثعلب والخفيف والبسيط من ضمن العائلة الواحدة!
أنا لا أدافع عن القصبي ولا أنتقده. لأن الموضوع ليس شخصيا. ببساطة أنا أنتقد الجمهور الذي يخاطبه القصبي. من الواضح أن الجمهور (عاوز كده). ويريد أكثر السجال حول القصبي. ما أريد قوله إن القصبي ليس المشكلة. على كل لم يخطئ القصبي باحتضانه للرواية الشعبية وملحقاتها. هو يواصل العمل في تقديم الأعمال الفنية بالرغم من التهميش المستمر للإنتاج النثري المؤسس لهذه البيئة. الروايات الشعبية بحسب تعبير الناقدة سميح سليم في دراستها المهمة (وسائل تسلية الشعب: الترجمة والرواية الشعبية والنهضة في مصر) تعتبر الأصل الأول للفن.
يأخذنا الموضوع من السجال حول القصبي وإلى السجال الأصلي. اعتقد آن الأوان مقاربة الموضوع من زاوية أخرى بدلا من الدخول في السجال في كل دورة عن الأشخاص ودورهم. زاوية لا تقترب من الحوار على قاعدة من أسهم في إنجاب الطفل (البرنامج) أكثر: الأم أم الأب؟
هناك بيئة حاضنة، رحم ولد منه العمل، اسمه الثقافة. ثمة عامل أساسي في تهيئة البيئة الفنية تقع على عاتق وزارة الثقافة بما أنها البيئة المعنية بتقريب رأسي عالم الفن، المنتج والفنان، بالحلال. أقصد بالحلال كل ما يندرج تحته من قوانين وابتكار. والعمل الحلال يضاعف في الأجر. من أخطأ له أجر ومن أصاب له أجران. طالما أنه تحت القانون. وهو ما ينطبق على القصبي.
تقتضي المهمة من الوزارة مساندة شركات الإنتاج بتقديم نصوص فنية جديدة. الوزارة منوطة بتهيئة البيئة التي تنتج فنا وفنانين. وهي المسؤولة عن صناعة الذاكرة التراثية. قد يستدرك البعض أن أحد هيئات الوزارة معنية بذلك. هيئة الأدب والنشر والترجمة المؤسسة حديثا لعلها تسهم في السنة المقبلة.
هل من الممكن الاستعانة بفنانين وكتاب ومخرجين حضنوا الطبيعة على حد وصف المفكر حيدر إبراهيم علي وأنتجوا فنا يوم كان فعلهم يعتبر أمرا مكروها؟ أين هيفاء المنصور ومحمود صباغ وسمر البيات وغيرهم كثير؟ يملك الأرشيف السعودي أعمالا كثيرة تستحق أن تنتقد بجانب أعمال ناصر القصبي. هذا بالحد الأدنى. أما بالحد الأقصى، إنتاج عمل فني متكامل الأبعاد يجمعنا بعد (فك الريق).