مرزوق بن تنباك

حين تسخو النفوس وتجود

الثلاثاء - 04 مايو 2021

Tue - 04 May 2021

الشهور والأيام والسنون مثل الناس لها تفاوتها في الأعمال والبركات وفضائلها كفضائل البشر وتميز بعضها عن بعض في الشعائر والمناسك والأقوال وقد مدح الله شهر رمضان خاصة وبين فضله على غيره من الشهور فقال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه).

وهذا الشهر الكريم يتكرر ويعود في كل عام وكأن عوده يأتي لأول مرة حين يبتهج المسلمون في أول أيامه ويستقبلونه بالفرح والغبطة والسرور، ويعدون الأيام لقدومه ويحتفلون به أيما احتفال، وإذا حل بهم أصبح كل يوم يمضي يشعرهم بفقده وفوته وإن كانوا قد قاموه ليلا وصاموه نهارا، ومن عجائبه أن الفرح والاحتفال يتكرر في نهايته مثلما كان الأمر في مقدمه، ويكون عيدا وبشرى في بدئه وانتهائه، ويعقب رمضان في التقويم الإسلامي الأشهر الحرم التي ميزها الوحي من بين اثني عشر شهرا فقال تعالى: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم».

في رمضان تسخو النفوس في العطاء وتجود في المال ويكثر الإحسان وترى السماحة في الوجوه وتسمع الكلم الطيب ممن تقابل، وأجمل ما تسمع الكلمة المأثورة التي يطلقها كل لسان، اللهم إني صائم، تصير إعلانا إنسانيا بعظمة الشهر واستشعارا لقدسيته وقياما بحقه وعدم اللغو والرفث فيه.

رمضان اليوم في العشرة الأخيرة وهو موشك على الانتهاء وسيودعه الصائمون هذا العام كما ودعوه في أعوام سابقة، لكن قيم رمضان التي أضفاها على الناس في كل ما سبق هو ما سوف نتحدث عنها وهي العبرة التي يجب على المسلمين التمسك بها، فكل تلك القيم هي من صميم القيم الإنسانية التي يجب أن يتحلى بها الناس كافة في جميع شهور السنة وفي كل الأحوال، وتكون هذه المعاني الرفيعة سلوكا عاما يمارسونها في حياتهم ويهتدون بهديها ويسعون للتخلق فيما ما ترك لهم من فضائل الأعمال والأقوال.

وإذا هذب رمضان النفوس وزكى الأعمال وحث على الإحسان والصدق، فإن بقية الشهور مثله يحتاج المرء فيها إلى التهذيب والتزكية والسماحة والإحسان في القول والعمل، وما نمارسه في رمضان من الدروس التي يمليها الشهر الكريم ليس لها زمن محدد ولا شهر معين بل الأشهر والسنوات والبشر في أيامه وفي أشهره وسنيه يحتاج إلى ما يأتي به رمضان، وتكرار هذا الشهر الكريم يأتي مذكرا بها ومجددا لما رث منها، ومعينا للنفس على الاستعادة والالتزام، وخير الأعمال ما دام ولم ينقطع، ومن من الناس الذي لا يريد أن يدوم عمل الخير ولا ينتهي بزمن ولا مدة ويستمر العطاء والإحسان عنده في كل الأحوال التي يحمد عاملها ويفلح المحافظ عليها.

سينتهي رمضان بعد أيام قلائل كعادته، وسيستقبل الصائمون أشهرا بقيت من العام يحتاجون الصوم فيها عن الجدل العقيم واللغو الذي لا ينفع، والمنافسة غير الشريفة والإمساك عن الأخطاء بحقوق الناس كما كانوا يمسكون عن الطعام والشراب في أيام رمضان، وأن يتجاوزوا المشكلات والمغالبة على شؤون الدنيا، كما يحتاجون فيها على مذاكرة الدروس التي تعلموها في شهر رمضان ولا يدبرون عنها وينسونها حتى يعود عليهم في عامهم القادم فيذكرهم بها. رمضان موسم انقضاء وخير لمن صامه أن يتحلى بآدابه ويستشعر حرمته في شهور العام كلها حتى يعود عليه وهو مطمئن النفس رضي البال.

وكل عام وأنتم بخير أيامكم وأرق عواطفكم وأقوى الصلات بينكم.

Mtenback@