نمر السحيمي

ولي الأمر ومقررات التعليم

الاثنين - 03 مايو 2021

Mon - 03 May 2021

ولي الأمر هو العقل المفكر لجسد الوطن وهو القلب النابض في هذا الجسد، وفي المقابل التعليم بالمملكة يهدف إلى تأسيس المواطن السعودي الصالح وبناء شخصيته بناء متزنا على ضوء الكتاب والسنة التي تأسست عليهما بلاده.

وحين أثبتت نصوص الوحيين أن الولاية العامة هي من الله يختار لها من يشاء من عباده؛ كان منهج سلف الأمة الصالح أنهم يرضون من اختاره الله لقيادة الأمة إذا عقدت له البيعة وتوحدت عليه الكلمة.

من هنا أريد أن أربط بين التعليم وعلاقته بولي الأمر. وهي علاقة فيما أرى وثيقة جدا في كل مقررات درجات التعلم.

ولعل ذلك يتضح من خلال مجالات الإسلام الأربعة التي هي قاعدة التعليم الإسلامي منذ شع نور الإسلام وملأ الأرض وإلى الحاضر الذي نعيشه اليوم:

أولا: مجال العقيدة الإسلامية وهي عقيدة واحدة أساسها توحيد الله الذي أعطى ولي الأمر المرتبة الثالثة في الطاعة؛ وتنص على ذلك الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِّنكُمْ.. الآية)، وفي هذا المجال فلابد بعد تعريف العقيدة ومسائلها أن توثق علاقة ولي الأمر وجهوده وسياسته في حماية هذه العقيدة، وتبيان دوره الذي أعطاه الإسلام في الحفاظ على مسيرة الدعوة إلى عقيدة التوحيد التي تهدف إلى سعادة الإنسانية في الدنيا والآخرة؛ لتتضمن مقررات التعليم حسب درجاتها نتفا وافية كافية من هذه المضامين. وألا يجد المؤلفون لهذه المقررات حرجا في أن تكون هذه المضامين الأصيلة قاعدة من قواعد تأسيس المواطن الصالح.

ثانيا: مجال العبادة الموقوفة وهي المنصوص عليها في أركان الإسلام، ولابد بعد تعريفها وشرح مجالاتها ومسائلها أن يتبين دور ولي الأمر في قيامها واستمرار أدائها بالصورة التي أمر بها الله والاتباع لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وجهود ولي الأمر في إنشاء أماكن العبادة في كل مكان واستمرارها من خلال صيانتها والحفاظ عليها والعناية بها، مما يعكس الدور العظيم لولي الأمر في توفير الأمن والخشوع ليستمر أداء الناس للعبادة كما أمر الله؛ وبدون ذلك فلا تحقق لهذا المجال.

وإن إضافة هذه المضامين لمقررات التعليم في كل مراحله لهو أمر بالغ الأهمية كون هذه المضامين لا بد أن يكون أصلا ثابتا في شخصية المواطن الصالح.

ثالثا: مجال الأخلاق. ولا شك أن جهود سلطات ولي الأمر ذات الأنظمة والتطبيقات المتعلقة بتعزيز القيم الأصيلة والأخلاق الفاضلة التي تراعي حق الإنسان في التعبير والاختيار لنفسه بما يتوافق مع سعة الشريعة الإسلامية؛ هي جهود يجب أن تضمن مقررات التعليم لأن هذه المقررات مسؤولة بعد الجانب النظري والتطبيقي في مجال الأخلاق أن توثق جهود مؤسسات ولي الأمر في هذا الجانب وأن تبين توافق هذه الجهود مع الكتاب والسنة بما لا يخل بحق المواطن الذي كفلته له الشريعة في الاختلافات الفقهية الواسعة.

رابعا: مجال المعاملات وهو مجال تدخل فيه كل العلوم الإنسانية..؛ ومن الواجب أن تضمن مقررات التعليم جهود ولي الأمر والمؤسسات التابعة له في التقنين والتدرج في كافة العلوم الإنسانية للوصول بالمواطنين على اختلاف ميولهم إلى التبحر التخصصي الواسع والمفيد في كل علم وتبني المتخصصين ليمارسوا ما تعلموه خدمة لأنفسهم ووطنهم وأمتهم ولأرض الإنسانية التي أمر الله أن تعمر.

أكتب عن هذا الموضوع للتأكيد أن مقرر التربية الوطنية في التعليم العام أو مقرر تاريخ المملكة العربية السعودية في بعض الجامعات التي تقدم لطلابنا وطالباتنا على استحياء لا يمكن أن تفي بالغرض؛ فمن أهداف التعليم التي نصت عليها سياسة المملكة التعليمية: تعزيز الولاء لولي الأمر وترسيخ هذا الولاء كأحد مكونات شخصية المواطن الصالح.

وهي مسؤولية عظيمة من مسؤوليات وزارة التعليم وجامعاتها لابد حتى تتحقق أن توجد في الخطط والأهداف الاستراتيجية ومن ثم تكون في كل مفاصل المقرّرات لتظهر جلية واضحة المعالم في المخرجات.

فدور ولي الأمر عظيم ومكانته مؤثرة ولا يعني وجوده في مفاصل مقررات التعليم تزلفا أو تزييفا أو تلميعا أو رغبة منه في ذلك؛ كما يصور ذلك ويتحرج منه ضعاف العقول من الجهلة أو المغرضين؛ بل هو واجب شرعي يحقق هدفين أساسيين هما:

1 - العدل في تبيين استقامة ولي الأمر وتأكيد تمسكه بنهج السلف الصالح.

2 - ترسيخ هذه الحقيقة في شخصية المواطن الصالح.

ويؤكد التحول الوطني نحو رؤية المملكة 2030 أهمية إعادة صياغة كل مقررات التعليم في كل مراحله بتوازن يعطي ولي الأمر حقه، وفي مقابل ذلك يصنع شخصية المواطن الصالح الذي يرى ولي الأمر بمكانة القلب من الجسد؛ هذا الجسد الذي سينطلق بمجموعه إلى آفاق واسعة من التقدم والتطور وعمارة الأرض بمشاركة الإنسانية جمعاء؛ وذلك ما سيحرر عقول أجيالنا من النظرة الدونية للنفس والارتكاس في مستنقعات الأنفاق المظلمة.

@alsuhaimi_ksa