مزنة أحمد الشامان

مشاهد إدارية

الاثنين - 26 أبريل 2021

Mon - 26 Apr 2021

بعد رحيل مديره السابق، ترقى للمنصب الشاغر الجديد لجده واجتهاده، ولكن لم يكن هذا هو السبب الرئيس لتعيينه فقط بل كانت جاذبية شخصيته التي يحملها معه ويلقي بحبال سحرها في مجالس الرؤساء والمسؤولين هي السبب الفريد. لم يتوجس العاملون خيفة من خبر تعيينه بل كان الكثير منهم فرحين، يعرفونه ويألفونه، ولكن ما لبث ذلك الشعور في دواخلهم إلا قليلا ثم بارحهم.

بدأ مقاليد إدارته بطقوس لم يعهدوها، فأطلق بعضهم على إثرها نداءات استغاثة لم يسمعها إلا الوشاة الذين فتكوا بمطلقيها إثما وبهتانا.

في عهده، أوصدت الأبواب أقفالها وباعدت المواعيد أوقاتها، فكان الانتظار الطويل هو الخيار الوحيد أمام الجميع. سلبت الصلاحيات من المتميزين وأوكلت لغيرهم لإضعاف أدوارهم وتكسير أجنحتهم لكيلا يحلقوا إلى مكان أبعد من مكانهم. كما شتت الجهود وارتبك سير العمل فتشوهت المخرجات للخدمات والمنتجات نتيجة الانشغال بتلبية رغبات المسؤولين غير المهمة واقتراحاتهم وتوصياتهم السطحية وعدم إدارتها بكفاءة وفعالية.

بأمره، أثيرت الخلافات في اللقاءات والاجتماعات مما تسبب في تشييد حواجز نفسية بين العاملين لكيلا يسود بينهم الود ولا تحفهم الألفة وتسهل الهيمنة عليهم. في حضرته، سيطر الخوف على العاملين، فتارة تتسلط عليهم الكلمات كاللكمات وتارة أخرى ترتفع الأصوات فتجحظ معها الأعين فتتردد على إثرها الأحاديث والرغبات.

كانت حقوق العاملين خارج دائرة الاهتمام أما حاجاتهم فمنسية، تنبعث منهم مشاعر غير صحية، فالبعض على الأفعال حانق والبعض ساخط وآخرون منزعجون لما يحصل، ولكن الأكيد لم يكن بينهم سعيد. خلال مدة إدارته، شاركت جوارحه في بناء بيئة عمل سامة يقتات منها الفاسدون. هاجرت بسببها العقول النيرة أما الباقون فانطفأ أداؤهم وتأذت نفسياتهم وذبلت أجسادهم.

ومضت على خيباته السنون، وكما لكل بداية نهاية، انتهى زمانه فانسدل الستار على تلك المشاهد الإدارية المخزية»

كانت هذه مشاهد سريعة لأحداث تحدث داخل أروقة العمل، ولو حاولنا فهم هذه المشاهد بمواقفها المؤلمة لوجدنا أن العامل المشترك الأكبر لمفاهيم ذلك المدير وسلوكياته هو عقليته التي تقبع داخل صندوق أنانيته. سنرى قلة الوعي القيادي لديه وتغلب الخوف على أفكاره التي قادته إلى بعض من هذه الأفعال، سنستنبط من هذا المشهد ضعف إدراكه لمشاعر مرؤوسيه وبعده عنها.

ولو تمعنا في رحلته سندرك أن تجاربه الإدارية ربما لا تتعدى أن تكون نسخا كربونية من رحلة مشابهة خاضها مع مدير سابق له.

ولو تأملنا هذه المشاهد كانت لتكون أجمل لو تم الالتفات إلى الجوانب الإدارية والقيادية في اختيار المدير. سيتغير المنظر لو تم معاينة وتقييم قيمه وسماته الشخصية، مهاراته، قدراته، خبراته وكفاءاته.

ليس كل من يجيد عمله ويتقن أداء مهامه سيحسن القيادة. وليس كل من يبدع في إخفاء عدم كفاءته الإدارية بالثقة التي تكسوا شخصيته وتجاهر بها أحاديثه وملامح وجهه سيبرع في قيادة الآخرين.

القيادة علم وفن، فتخيروا قاداتكم وانتقوهم جيدا؛ لتكون مشاهدكم الإدارية عظيمة.