آلاء لبني

الهدر والبيئة والمجتمع

الجمعة - 23 أبريل 2021

Fri - 23 Apr 2021

رمضان شهر يتميز بعظم مكانته الروحية، شهر القربات والروحانيات، هو رمز البداية الجديدة خاصة لما يحمل بين طياته من الاستبشار لدلالته التاريخية لنصر المسلمين ببدر، فضلا عما فيه من تحد لتغيير العبادات عن المعتاد طوال العام والتمرس على عادات يومية وتحمل الامتناع عن الأكل والشرب، وتعدد فوائده من الجوانب الدينية والصحية وخلافه.

لكن أحيانا نضيع من فوائده سواء الأوقات أو الفضائل وبدلا من إراحة الجهاز الهضمي نتسبب بتلبك المعدة وإرهاقها.

الطعام جزء من عاداتنا وثقافتنا، كلنا نحب الطعام فهي رغبة تشكل جزءا أساسيا من متع الحياة، ومشاركة الولائم مع الأهل التي نطبخها بعد أن نتخير موادها الأولية تعد متعة كبيرة. ينبغي إعطاؤها حقها بالاستمتاع بما لا يضر صحتنا وأموالنا والبيئة. أليس أولى من كثرة العزائم والولائم الصدقات بالمال والوجبات الغذائية.

التوازن الخط الفاصل بين الإفراط والتفريط بين التمتع بالنعم وبين عدم الإسراف وتضييع الأوقات بطبخ كميات كبيرة أو قضاء الأوقات المباركة بين طبخ الفطور والسحور!

هدر الطعام نقمة من السلوكيات التي تضر بالمعاني الحقيقية لرمضان ومنها الإحساس بحاجة الفقراء، كم عدد الذين يعانون من الجوع في العالم؟ قال تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)

علينا أن نعي بمضار هدر الغذاء فكثير من الطعام المنتج للاستهلاك لا يتم تناوله أبدا للأسف، فمثلا نشتري وننفق على أطعمة لا نأكلها ويتم التخلص منها!.

الهدر لا يختص بالفرد فقط بل والقطاعات الخدمية كالمطاعم والتي يزيد فيها نسبة الهدر.

لماذا يحدث الهدر المفرط للطعام وما هي عواقبه البيئية وكيف يمكننا إصلاحه؟

فحين يعاني العالم من انحسار وضعف بالأراضي المنتجة، تقدر منظمة الأغذية والزراعة أن ثلث الغذاء يتم هدره كما في المملكة وتزيد في عدد من الدول وتصل إلى 40% بالولايات المتحدة.

هدر الغذاء له أضرار على البيئة والمجتمع والاقتصاد، فكل الطاقة المستخدمة سواء بعملية الحصاد أو الشحن أو التصنيع...إلخ ينتهي بها في المهملات، وما ينتج عن نفايات الطعام التي تنتهي في مكبات القمامة منتجة من تحللها كميات من أبخرة وانبعاثات كالميثان أحد غازات الاحتباس الحراري.

لا يقتصر الهدر في الغذاء والمال وعلى كافة الموارد المطلوبة لعملية الإنتاج، بل وما يترتب عليه من هدر للموارد الطبيعية كهدر المياه العذبة والمياه الجوفية وقدرات الأراضي والتربة حتى الغابات التي تزال لتحل محلها مساحات زراعية مكثفة. كله يضيع هباء، ضياع الوقت والجهد والوقود والمال والبيئة.

هدر الإمدادات الغذائية سلسلة طويلة من التفاعلات التجارية والمستهلكين من المطاعم والمنازل..إلخ، هذا دون أن نتحدث عن الفقد بمرحلة الإنتاج في رحلة انتقال المنتجات من المزرعة إلى نقاط البيع، والتي تبدأ للأسف بالتخلص من الثمار وعيوب أشكال الخضراوات التي لا تحمل الشكل المثالي! ومصيرها للفقد والتعفن. تبذير يحكمه طلب السوق.

ماذا عن الفقد بحلقات الخضار والسوبر ماركت؟ خاصة حين تكوم المنتجات فوق بعضها بهدف الجذب فقط، لأننا كمستهلكين لا نشتري المنتجات الوحيدة ونحب الوفرة وامتلاء الأرفف!.

وخلال مرحلة البيع تبدأ رحلة الشراء فوق الاحتياج بكميات كبيرة. البعض قد يقع تحت تأثير استهداف حملات التسويق بالوسائل النفسية واللعب على وتر أهمية استهلاك المزيد لاستمرارية المكاسب التجارية.

كم مرة تتخلص من الطعام قبل انتهاء تاريخ صلاحيته؟

إطلاق حملات التوعية وتغير سلوك المستهلك تسهم في تحفيز الممارسات الصحيحة فعلى المستوى الفردي مثلا استخدام كل الطعام الذي نشتريه وتقليل الهدر بالاستفادة بأكبر قدر ممكن من بقايا الطعام لوجبات أخرى، (فن الطبخ المستدام). لجدتي طريقة في الطبخ مميزة قائمة على قناعة تقليل رمي النعم، فمثلا بقايا الخبز تجفف وعيدان البقدونس الصغيرة والكبيرة تقطع لتستخدم على حد سواء، وقشور الليمون تجفف.

لكل مشكلة حلول متنوعة على مستوى الفرد والقطاعات والمؤسسات متى ما أردنا التقليل من آثارها فتحويل فائض الطعام لسماد لاستخدامه للزراعة بدلا من رميه، قد يكون من أهم المشاريع الاقتصادية الناشئة المستدامة.

عدد الوفيات من الجوع تزداد بالعالم ويتسبب الجوع بنقص التغذية والكثير من الأمراض التي ازداد خطرها تحت تأثير جائحة كورونا وانعدام الأمن الغذائي، وارتفاع التكلفة وانخفاض الجانب الربحي يتسبب بترك الفاكهة والخضراوات بأمريكا لتتعفن.

وفي بعض دول أفريقيا تتراكم المنتجات الغذائية في الأسواق في حين أن الأسعار الزهيدة تعد مرتفعة على العاطلين عن العمل.

معرفتنا بالهدر والفقد وحدها لا تكفي لوقفهما، كل له مساهمته التي يقدمها حسب دوره، فحملك باقي وجبتك جزء من وعيك بدورك.

النعم تدوم بحفظها، والخطط والحلول تعود على مجتمعنا بالنفع، فمثلا نحتاج التوسع بمفهوم بنوك الطعام لإطعام المحتاجين. قال رسول الله (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس).

AlaLabani_1@