ياسر عمر سندي

مصنع العادات ومنتج التقاليد

الأربعاء - 21 أبريل 2021

Wed - 21 Apr 2021

الشخصيات البشرية تعتريها نزعات متعددة بسبب التركيبة النفسية المختلفة والتي تؤثر وتتأثر بالأقوال والأفعال، وغالبا ما تألف النفس على ما تعتاد عليه وربما تكون هذه العادة دخيلة على الشخصية حتى تصبح أصيلة بكثرة التكرار والاستمرار والاحتكار؛ ليتبرمج بذلك العقل البشري على كل ما يتلقاه وما يردده ليفهمه ويدركه ويتصوره ومن ثم يسقطه سلوكا عمليا ظاهريا مثل الكلام والتصرفات ولغة الجسد وتعابير الوجه.

عندما نستمع إلى جملة (العادات والتقاليد) والتي تتداولها المجتمعات العربية بطبيعة الحال هي تبعا للصورة الذهنية المتكررة من موقف سلوكي يحدث ويتم تبريره بالعادات والتقاليد لكي لا يتم الاعتراض على ذلك السلوك بصرف النظر هل هو محمود أم مذموم، ليأخذ مقعده من التعود المتكرر والتقليد الأعمى غير المفسر.

العادات لها مصنعها لتكرير منتجات التقاليد هذا إذا ما افترضنا أن المجتمعات عبارة عن شركات إنتاجية ضخمة لها منظومة معينة في خطوط إنتاجها يضاف عليها محسنات ترويجية لتنتقل إلى مرحلة التسويق الفعلي بطرح المنتج الجديد في ظل منافسة عاتية بين مجتمعات أخرى أقصد شركات حتى يبرز الأكثر تأثيرا عن طريق أشخاص يعتادون على فكرة البث التجريبي ومن ثم يأتي أقوام يقلدون أولئك المعتادين في تكرار طريقتهم لتثبيتها كأعلى عشرة منتجات رائجة.

هذا باختصار ما أراه فلسفيا لإسقاطات كلمتي العادات والتقاليد.

في علم الاجتماع يوجد مصطلح يسمى بـ(السوسيولوجيا) أي القوانين والنظم الاجتماعية والتي تعتبر أنماطا تختص بها جماعة معينة سواء كانت صغيرة الحجم أم كبيرة تتعلم سلوكيا من الجماعة السابقة وترتبط معها بنظام خاص في أوقات وأزمنة خاصة وقد تصبح هذه الأنماط ممارسات مجتمعية ترتقي إلى مفهوم القوانين السائدة وربما في بعض المجتمعات تكون أكبر وأعمق سطوة من الدستور القومي والمرجع القضائي والأمني.

العادات من سماتها أنها ليست مكتوبة أو مسجلة ليتم الرجوع إليها مثل القواميس أو المراجع العلمية بل هي سلوك أشار به شخص واعتادت عليه مجموعة ومن ثم تعززت بمنهجية التقليد من جيل إلى جيل.

أما إذا أخذنا العادات والتقاليد من وجهة نظر علم النفس الوظيفي فيعتبرها سلوكيات مستمرة ونمطية نفسية عميقة تحدث في اللاشعور مسبقا غير الظاهري واللاملموس بتبني الفكرة واستقبالها ومن ثم الرضى عنها وبعد ذلك تحويل هذه الفكرة إلى الشعور العملي الواضح للآخرين في الطرح السلوكي الظاهري القابل للممارسة أو التعزيز.

مثال على ذلك ما نعيشه في واقعنا الحالي بمجتمعاتنا الصغيرة والكبيرة للقرية والمدينة الذين يمارسون مبدأ العادات والتقاليد، فنحن نؤمن قطعا بأن الزواج تشريع رباني وتوصية نبوية ونزعة فطرية يجب أن توجه التوجيه السليم بعدة معايير بالرغبة الكامنة والتي تقود إلى القدرة الدافعة ومن ثم إلى الاكتمال النفسي ثم التيسير والتسهيل، ولكن جميع هذه المعايير تصطدم بالصخرة المجتمعية التي تسمى (العادات والتقاليد) والتي تفرض مهورا معينة عالية بالإضافة إلى منزل متعدد الغرف وعطايا مخصصة للبعض من أقارب الزوجة، والبعض يتطلب كماليات موروثة ترتقي للأساسيات كحفل الزفاف والولائم والمجوهرات مما تتسبب هذه الصخرة في تحطيم سفينة الأحلام للشاب والشابة المقبلين على الزواج.

علم النفس الاجتماعي يرى العادات والتقاليد على أنها تتكون من ثلاثة أضلع تبدأ بالفكرة والمعلومة وثانيا بالدافع والحافز وثالثا بالتنفيذ والتطبيق، فإذا اختل ضلع أفلس مصنع العادات وبارت منتجات التقاليد.

لكن ما يحدث مجتمعيا للأسف هو الدعم المادي والمعنوي لإعادة تشغيل طاقة المصنع وتقوية منتجاته وتسويقها لتستمر وتتطور وتتجذر وتؤثر.

@Yos123Omar