عبدالحليم البراك

يتاجرون فيما يجيدون!

الاثنين - 19 أبريل 2021

Mon - 19 Apr 2021

يتشابه التحليل الرياضي في كرة القدم قبل وبعد كل مباراة مع التحليل الفني للأسهم والأوراق المالية قبل الحدث وبعده في أشياء كثيرة، وهذا التشابه طبيعي جدا لقدرة البشر على تفسير المتغيرات قبلا وتفسيرها - عكسها تماما - بعدا؛ ونقاط التشابه المثيرة كثيرة منها:

- كلاهما تنبأ بالمستقبل، فمحلل الأسهم يتنبأ بسلوك السهم ارتفاعا وانخفاضا وثباتا، متأليا على المستقبل، ويتأل المحلل الرياضي هو الآخر قبل المباراة على المستقبل، فيتنبأ من سيفوز ومن سيبدع في المباراة، بل ويجد في نفسه الجرأة ليقول لك بكم ستنتهي المباراة أحيانا!.

- كلاهما لديه تفسير لطيف ومنطقي للحدث قبل وقوعه، ولديه تفسير منطقي لتفسير الحدث بعد وقوعه، ولو كان مخالفا للتوقعات، وإذا واجهته في كلامه السابق؛ فلن يعجز أن يعجزك بالكلمات، فيشير المحلل الفني لدخول نمط جديد أو إشاعة مؤثرة أو خبر كبير، وإذا لم يجد أيا من تلك الأشياء تكلم لك عن تأثير أسعار النفط، وأثر الفائدة الأمريكية على السوق السعودية، أو اجتماع أوبك المرتقب، أو تأثير حالات كورونا، أما في الملعب فسيتكلم المحلل الرياضي- في حال فشل توقعاته- عن الحالة النفسية وحالة الاستعداد النفسي وحالة الإحباط وهي أشياء لا يفهم فيها إلا الطبيب النفسي، إلا أن المحلل الرياضي يصبح طبيبا في لحظة ما!

- كلاهما يفهم كثيرا في أن تخصصه، يقع ضمنه متغيرات كثيرة وعوامل أكثر، ليس لها علاقة بكرة القدم في التحليل الرياضي، وليس لها علاقة في التحليل الفني في عالم المال والأعمال، ولكنهما لا يوردونها مثل (الحظ) و(لا أدري)، وكذلك متغيرات أخرى لا يجوز الحديث عنها، كحكم أفسد المباراة بقرارته التعسفية ضد ناد حتى هزم، وكذلك لو أن المحلل قال «إن تلك الشركة عليها كلام آخر في الشرعية»!.

- كلاهما أيضا، يحرص على استخدام مصطلحات أحيانا صعبة حتى لا يكون كلامه سهلا ومفهوما، أو كلمات مطاطة حتى لا يمسك عليه أحد كلمة، أو كلمات مربكة تضمن خط الرجعة؛ لأن مدار التحليل الرياضي على الكلام والكلام فقط، والتحليل الفني كذلك، وبالنهاية قوى السوق، والمضاربون وأشياء لا أحد يدري ما هي، هي من تتحكم بالملعب الرياضي والملعب المالي أيضا.

- كلاهما يعبثان بالإجابة على سؤال متى، فمتى يحقق السهم هدفه؟.. لا أحد يجيبك، ومتى يفوز الفريق هذا على الفريق ذاك؟.. لا يدري، أو متى يحقق البطولة؟.. لا يجيب، إذن عبثية اللعب في الزمن تفضح عبثية التحليل من أصله!.

- كلاهما يجيدان الحديث عن الشيء الذي لا يجيدان العمل فيه، فلو أن المحلل الرياضي يجيد لعب الكرة لما تركها وذهب للتحليل الذي يعطي مالا أقل! نعم صحيح معظم المحللين لاعبون سابقون، لكن بسبب السن وانخفاض المستوى لجأ لمهنة أقل دخلا، وهي التحليل، وإلا لما جاءها أصلا، وكذلك المحلل الفني، لو كان ناجحا في المضاربة لما ضيع وقته في التحليل الفني والكلام عند الناس عن وضع الأسهم، فوقته من ذهب ولا يذهب في مجرد كلام، ولكن الذي يبدو أن الصنعة التي يتقنها الاثنان هي الكلام فلذلك «إنهم يتاجرون فيما يجيدون».

Halemalbaarrak@