أحمد الهلالي

مصلح يكافح التجمعات!

الأربعاء - 14 أبريل 2021

Wed - 14 Apr 2021

أمام جهاز الصرف الآلي أحاول ما استطعت المحافظة على التباعد، فبعضهم يقترب مني إلى درجة امتلائي حنقا، فأعبر عن امتعاضي بابتعادي إلى جهة اليمين أو اليسار.

رن هاتفي وأجبت على المكالمة بقولي: نصف ساعة وأكون عندكم، جهزوا الورقة، وما إن أغلقت الهاتف حتى سمعت صوتا مدويا من الخلف: أنتم هكذا، ولن نقضي على كورونا، ما دمتم تتلذذون بالاجتماعات والعزائم، فالتفت إلى مصدر الصوت فكان الشاب السبعيني (مصلح)، فعلمت أن المسألة ستخرج عن طورها، لكنني تجاهلته.

صمت الجميع، فرفع صوته مرة أخرى، ونادى: أنت يا أخ. فلم أجبه، فنادى: يا أخ (يابو عزايم، يابو ورقة)! فالتفت إليه فكان يشير إلي، فقال مباشرة: بالله عليك هذي الأرقام المتصاعدة الآن في إحصاءات كورونا، وهذه الموجة التي تحذر منها الجهات الصحية، وهذه الاحترازات في كل مكان، حتى الحرمين الشريفين اللذين نتمنى رائحتهما، والمساجد والمؤسسات، ما جعلتك تفكر للحظة أن الأمر خطير، ما جعلتك تستشعر دورك في مجتمعك؟ مؤسف جدا أن تمتطي قلمك كل أسبوع وتكتب للناس، وأنت لا تلتزم، دع عنك الازدواجية!

كان هجومه قاسيا، وأنا أخشى أن أخطئ في حقه بكلمة، فضغط الانتظار مؤثر جدا، لكن اقترابي من جهاز الصراف جعلني أتجاهله أيضا، فرفع صوته: صمتك علامة اعترافك، فأنت وأمثالك ممن تخالف أقوالهم أفعالهم سبب رئيس في استمرار هذه الجائحة، فالتفت إليه، وقلت: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك!، فاستشاط غضبا وقال: أنا مواطن صالح، وأقسم ألا أدعك اليوم، وسأذهب وراءك إلى (العزيمة)، وسأتحدث إلى صاحبها، وسأبلغ السلطات المختصة عن مخالفاتكم للتعليمات، وأجعل هذه العزيمة درسا لن تنسوه ما حييتم. في قرارة نفسي أعلم جيدا أنه يعني ما يقول: فلم أجبه.

خرجت من جهاز الصرف إلى سيارتي، فرأيته بطرف عيني يترك دوره ويلحق بي، فلم أعره اهتماما وهو يغذ الخطى إلى سيارته، فتأنيت حتى اقترب من سيارتي ومضيت، أراقبه في المرآة، يكاد أن يلتحم بسيارتي، فسرت في طرقات بعيدة وضيقة، وأسرعت كي أضيعه وأراكم حسراته لكن دون جدوى، وبعد نصف ساعة توقفت أمام مبنى ضخم، ودخلت المبنى وهو خلفي مباشرة، فلحق بالمصعد قبل أن ينغلق، فدخل منتصرا وقال: (وراك وراك)، فقلت له: حياك الله، ثم دخلت إلى مكتب (صيانة المصاعد)، وحين سلمت على الموظف، قلت له في ذهول مصلح: هل جهزتم الورقة؟ فتغير لون مصلح وكاد أن يصبح شفافا، وحين أقبل معتذرا، قلت له: أحييك على حرصك ووعيك، وكلنا ذاك الرجل، وكل عام وأنت والوطن والجميع بخير!