سيكولوجية العطية.. البخشيش

هل فكرت يوما في السبب الذي يدفعك لإعطاء عامل نظافة بضعة ريالات أو اكتفائك بقول «شكرا» لزميلك المحاسب في الشركة؟ وهل تساءلت عن السبب الذي يدفعك لإعطاء أو إكرام سائق التاكسي بدلا من الطبيب الذي ساهم - من بعد الله سبحانه - في علاجك؟

هنالك سبب وراء ذلك٬ تخيل أنك دخلت على الطبيب وشرحت له مشكلتك وعمل ما عمله وأعطاك وصفة الدواء. هنا في الغالب تنتهي فترة زيارتك للطبيب لهذا اليوم - ولكن! - تخيل نفسك وأنت تمد يدك إلى جيبك لتخرج محفظتك وتعطي الطبيب 50 ريالا - مثلا - كعربون شكر لما قام به من أجلك! هل تتخيل موقف الطبيب في تلك اللحظة؟ سيكون منبهرا وربما يحدق فيك بغضب. المبلغ المالي الذي أردت إعطاءه الطبيب (الـ50 ريالا) لن يزيد من وضعه الاجتماعي أو العائلي أبدا. الدخل الشهري للطبيب يعادل أضعاف المال الذي أردت إعطاءه إياه!

الآن، فلنطبق مثال الطبيب مع سائق تاكسي مثلا. هنا عزيزي القارئ أود منك أن تتخيل معي التعابير التي سترسم على وجه السائق. سيشكرك ويثني عليك وربما يعطيك بطاقته الشخصية - لا لأجل مالك٬ بل لخدمتك مستقبلا.

تبنّت Cornell university في نيويورك دراسة هذا الموضوع واختاروا ما يقارب 1200 شخص ليشاركوا في هذا الاختبار. طلب الباحثون من المشاركين ما يلي:

1. تقييم العمل.

2. هل يعتقدون بأن هذه الوظيفة صعبة أم لا.

3. مدى الأجر المدفوع.

أما السؤال الأصعب فكان:

4. هل من المحتمل أن تعطي قليلا من المال لشخص قام بأداء هذا العمل لأجلك؟

النتائج كانت مبهرة، المشتركون قالوا إنهم على استعداد لإعطاء الخدمات التي تعتبر ذات دخل محدود كسائق التاكسي مثلا. كذلك ذكروا أنه من باب الإيثار والمساواة وحب الخير للآخرين فإنه من واجبهم مساعدة ذوي هذه الخدمات ولو بالقليل. لأنه واقعا، قليل من المال في جيب الطبيب أو المحاسب لن يرفع من مستواه المعيشي ولن يساهم في إصلاح المجتمع ولن يقضي على الفقر.

لنعد لمثال سائق التاكسي٬ في حال قام بخدمتك٬ هنا يأتيك إحساس المسؤولية بأنه يجب عليك تقييم خدمة هذا السائق، ومن الطبيعي بعد أن نُقيّم أي شخص يقوم بخدمتنا فذلك الشخص ينتظر منّا مكافأة من نوع ما سواء كانت على المدى القريب أم البعيد.

إعطاء السائق قليلا من المال سيفرحه ويشجعه على الاستمرار في تقديم خدماته للناس. أمّا الطبيب، هل تظُّن بأنه من السهل تقييم عمل الطبيب؟ الإجابة بسيطة: لا! بعكس السائق الذي يسهل على الجميع تقييم خدمته ومكافأته، الطبيب يحتاج لخبرة ولأسباب ومسببات، فمن الصعب تقييمه ومكافأته فورا.

ولكن، قد يدور في ذهنك ماذا لو قيم الطبيب طبيب آخر؟ حسنا سأخبرك. إن حدث ذلك، هل تظن أن الطبيب المقيم سوف يأخذ من ماله لإعطاء الطبيب الآخر ليكافئه مثلا؟ وإن فعل ذلك، كم من المال سيعطيه؟ في مثل هذه الحالات - الطبيب والمحاسب - هؤلاء لا ينتظرون منا مكافأة بسيطة لا تغير أو تحسن من حالتهم، فإذا كنت أنا الطبيب أو المحاسب

فسوف أنتظر مكافأة أفضل أنتفع بها لفترات طويلة - كزيادة في الراتب مثلا.

(أتمنى أن تكون قد وصلت الفكرة).