أحمد الهلالي

أيها المرتدون إلى ظلمات (الخرافة)!

الأربعاء - 20 يوليو 2016

Wed - 20 Jul 2016

تركيا، الدولة الإسلامية العلمانية الديمقراطية، الآسيوية الأوروبية، التي عادت إلى المشهد الإسلامي والعربي مع ثقة الناخبين في حزب الرفاه والتنمية، واتجهت إليها أنظار العرب والمسلمين كدولة عظيمة تزيد من عمق التضامن الإسلامي ومناصرة قضايا المسلمين، ثم صارت قبلة للسياحة الخليجية وحتى الدورات العلمية، ولم تكتف بذلك بل زاد طوفان الإعجاب إلى درجة محو شخصية الفنان العربي ليحتجب خلف صوته في دبلجة (الدراما التركية) الطاغية على شاشاتنا.

وإن كانت الدراما فعلت فعلها (الرومانسي) بالمشاهد العربي، فإن الدراما السياسية أيضا فعلت فعلها بالجماهير، لكن الفارق أن الدراما الفنية تمثل تركيا العلمانية، أما الدراما السياسية فتتنفس بالرئة (الإسلامية)، وإن لمع اسم (مهند) في الدراما الرومانسية فقد لمع اسم (إردوغان) في الدراما السياسية الإسلامية، وكان ولا يزال ممثلا بارعا في هذا الاتجاه، بعدة مواقف إعلامية تدغدغ الوجدان المهاجر في الوهم.

اتهمت الدراما الفنية التركية بالمبالغة في الرومانسية، وتأثيرها على المراهقين والمراهقات الذين بنوا أحلامهم على تلك الخيالات، وزادت حالات الطلاق المبكر للعديد من الزيجات حين لم يبلغ (المضحوك عليه) المنى، وكانت المضحوك عليها (أقل مما شاهد)، لكن هذه الدراما تظل في فلك (الحدس والتأولات)، أما الدراما السياسية فتغلغلت في وجدان الكثيرين، ولم تظهر بزخمها العارم إلا حين هم الانقلابيون بتدمير ديمقراطية تركيا.

لا يفرح بالشر لبلدان الآخرين إلا مسكون بالشر، فاستقرار كل بلد وسلامه في العالم مطلب إنساني، ولا يمكن أن يفرح إنسان سوي بانفلات الأمن والسلم الاجتماعي في تركيا، لكن المؤشر الخطير كان تفاعل بعض السعوديين المبالغ فيه، وانتشار صور ومقاطع توصل فنان (الدراما السياسية) الغرور، إلى درجة انتشار مقاطع لوعاظ يتمثلون مناقب الرجل المروية لهم من (ثقات)، وإلى انتحال مقولات لغيره ودمغها بصورته، كمقولة (القصيبي) في الإدارة مثلا، ناهيك عن القرابين الحيوانية المنحورة والمذبوحة باسم الرجل، وتغيير أسماء الأبناء إلى (إردوغان)!

هذه التصرفات وغيرها أصنفها تحت بند (عبثية الوجدان)، فالعواطف المدجنة إلى الانسياق وراء كل صوت هي مبعث قلق لكل مجتمع، فلو عدنا بالذاكرة إلى الرئيس العراقي الذي سمي (صقر العروبة) إبان حرب إيران، مع أن (الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب المعاصرة) لحماد الجهني تكفر حزب البعث وقادته، ثم تعاظمت كبرياء صدام وغروره حتى ابتلع الكويت وضرب الرياض وحفر الباطن بالصواريخ، ليتحول اسمه من صدام إلى (هدام)، لكن ثقافة التدجين (بالخطاب الديني) أعادت لصدام مجده القديم وصار اليوم بطلا مخلدا في (عبثية الوجدان)، فقط لأن الطائفيين أرادوا ذلك.

فنان الدراما السياسية التركي أصبح (أمير المؤمنين)! وانثالت المقولات عن الخرافة العثمانية، وكأنها ما تنتظره أجيال العالم الحديث، أبناء (الأعراب الجهلة) الذين تركهم الأتراك في غياهب الجهل، ونهبوا كل مقدراتهم التاريخية باسم الخلافة وأودعوها (الآستانة)، وقوضوا الدولة السعودية الأولى، بل قتلوا الكثيرين وهجروا من مدينة رسول الإسلام في قضية (سفر برلك) الشهيرة، وساموهم صنوف العذاب في العراق والشام.

أيها المهاجرون إلى ظلمات الوهم، لتعلموا أن الخلافة الحقيقية لم تتجاوز الخلفاء الراشدين، وأن الشعوب العربية التي نالت استقلالها من استعمار العثمانيين باسم الله، واستعمار الغرب القوي لا تقبل مطلقا أن تفرط في مكتسباتها للآخرين (مهما كانت الدعاوى)، كما لم يفرط الأتراك في ديمقراطيتهم للانقلابيين مؤخرا، فلا يخفى على حصيف اليوم أن (الخلافة خرافة) وطرحكم لها يعد تدعيما لأطماع الآخرين فينا، سواء كانوا سياسيين أم إرهابيين كداعش، واستمرار الطرق على هذا الوتر (النشاز) سيشوه أدمغة أبنائنا، وأنتم تتبرؤون من أفعالهم، لكنكم باذرو تلك الشرور!!

[email protected]