يزيد الملحم

الثورة الصناعية الرابعة في الدبلوماسية الاقتصادية

الأربعاء - 07 أبريل 2021

Wed - 07 Apr 2021

قبل ثمانينيات القرن الثامن عشر، كانت أيدي الناس وقوتهم البدنية تمثل كل الأدوات الصناعية بالنسبة لهم، إلى أن حدثت الثورة الكبيرة في ذلك الوقت بتطوير المحرك البخاري الذي أتاح نقلة كبيرة وسريعة في الإنتاج معتمدا على الماكينات، لتكون البداية لإعلان الثورة الصناعية الأولى في العالم.

أما ثاني الثورات الصناعية، فقد بدأ في القرن التاسع عشر، اعتمد العالم وقتها اعتمادا واسعا على الكهرباء والنفط، وظهرت في تلك الحقبة المصابيح الكهربائية ومحركات الاحتراق الداخلي لنملك بعدها وسائل المواصلات الحديثة كالسيارات والطائرات. ثم في القرن العشرين، كان الإيذان بحلول الثورة الصناعية الثالثة، حيث كانت ثورة رقمية تكنولوجية أدت لظهور أجهزة الكمبيوتر والاتصالات وبداية الذكاء الاصطناعي. وآخر الثورات الصناعية نعيش في خضمها اليوم، فبها سيتغير واقع العالم ليعتمد على مجالات الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، وإنترنت الأشياء.

إن الفكرة الأساسية التي تقوم عليها الثورة الصناعية الرابعة هي استبدال البشر بالتقنية الحديثة، لتسهم في تخفيض تكاليف الإنتاج وارتفاع جودة المنتجات مما يعزز الإنتاجية في العالم ويزيد معدلات النمو الاقتصادي.

يستطيع انترنت الأشياء تحسين عمليات الإنتاج ورفع كفاءة الأعمال من خلال أجهزة استشعار في الشركات أو المصانع، حيث تقدم هذه الأجهزة تحليلات ورؤى تفصيلية حول آلية العمل وأداء الأجهزة في المكان لتقدم لها حلولا لأي مشكلة. على سبيل المثال، قد تكون إحدى المستودعات في مدينة الرياض تعمل بطريقة فعالة لسنوات، لكن بعد تثبيت مستشعرات انترنت الأشياء في المستودع، تستطيع أن تظهر البيانات المأخوذة أن سائقي الرافعات يقومون برحلات أطول بنسبة 25% من اللازم. ومن خلال تحليل هذه البيانات، يتم ابتكار طرق وآليات جديدة لتزيد الإنتاجية وتقلل التكلفة قدر الإمكان.

تستطيع أيضا هذه الثورة بتقنية انترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي أن تساعد في تحديد المخاطر واتخاذ خطوات لتخفيفها. فمثلا، لو حدث أن زادت وفيات العمال 30% في البناء، فبالإمكان استخدام التقنية وتزويد عمال البناء بأجهزة تمنح الشركات البيانات اللازمة لفهم كيفية حدوث مثل هذه الحوادث واتخاذ إجراءات أفضل للسلامة. مع العلم، أن شركات تأمين السيارات اليوم تعتمد على آلية مشابهة، تجمع فيها بيانات السائقين لتحلل قيادة كل فرد وتنشئ حزم تأمين مخصصة تناسب أسلوبهم في القيادة.

العالم اليوم يؤمن أن هذا العصر هو عصر ستقوده الثورة الصناعية الرابعة لنمو وقفزات اقتصادية غير مسبوقة، فالقيمة المقدرة لسوق هذه الصناعة يقدر بحوالي 71.7 مليار دولار أمريكي في عام 2019، ومن المتوقع أن يصل إلى 156.6 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2024، بمعدل نمو سنوي يبلغ 17%.

بكل هذه الأهمية والفرص الكبيرة التي تقدمها الثورة الصناعية الرابعة، أصبحت الدول تضاعف قدراتها التنافسية في المعرفة والابتكار، ليكون لها الريادة في هذا التحول الذي سيغير الكثير في حياة الإنسان ورفاهيته. إن التكنولوجيا والابتكارات التي تمثلها الثورة الصناعية الرابعة تعتبر جزءا لا يتجزأ من التنمية المستدامة، وينظر لها أنها شكل من أشكال القوة الناعمة التي تستخدمها الدول في سياساتها الخارجية وعلاقتها الدولية. فقد أصبحت ترتبط بشكل مباشر بالدبلوماسية الاقتصادية وفي صناعة الصورة الذهنية التي تبرز إمكانيات الدول في هذا المجال. حيث يمكننا اليوم أن نشاهد عزم الدول على زيادة حصة البحث العلمي والتطوير في النشاط الاقتصادي، إضافة لوضع استراتيجية وأهداف تترجم هذه الرغبات لتحجز مكانا متقدما على خريطة العالم.

وفي المملكة، سعيٌ دؤوب للتقدم والعمل على أن نكون جزءا من هذا الركب. فمن أبرز التطلعات التي يتطلع لها برنامج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب) هو «تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومركز عالمي للخدمات اللوجستية مع التركيز على الثورة الصناعية الرابعة». وفي وقت سابق، وقعت حكومة المملكة والمنتدى الاقتصادي العالمي لإنشاء فرع لمركز الثورة الصناعية الرابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض ليساعد في جعل المملكة على خارطة البلدان التي تعمل على هذه الثورة مثل الصين والهند واليابان. فتواجد هذه المراكز في المملكة فرصة كبيرة نستطيع من خلالها تطوير آليات وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة وتبني أفضل الممارسات في العالم لتطبيقها لدينا.

@Yazedalmulhem