مرزوق بن تنباك

عالمان وجائزة

الثلاثاء - 06 أبريل 2021

Tue - 06 Apr 2021

عالمان يشرفان بجائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية وتشرف الجائزة بهما.

أولا عن الجائزة:

كنا نقرأ للرواد من المدينة المنورة مثل محمد حسين زيدان، وضياء الدين رجب، وعزيز ضياء، وعبدالقدوس الأنصاري، وعبيد وأمين مدني، وعلي وعثمان حافظ، -رحمهم الله جميعا-. هؤلاء طليعة أدباء المدينة المنورة الأوائل ثم تلتهم أسرة الوادي المبارك كعبدالعزيز الربيع، وحسن صيرفي، وعبدالرحمن رفة، ومحمد صالح البليهشي، ومحمد العيد الخطراوي، وكانت الصحف التي تصدر في ذلك الزمان ومجلة المنهل خاصة هي الوعاء الذي يصلنا بهم من طرف واحد، نقرأ لهم، ونتابع نشاطهم الكتابي، دون أن نلتقي بأكثرهم، وما أدري ما الذي ربط بذهني بين عبيد مدني وأمين مدني فكأنهما عندي شخص واحد فلا أقرأ لأحدهما حتى يخطر ببالي الآخر، أعرف أنهما أخوان، لكن الرابط كان أدبيا وعندما تأسست جائزة أمين مدني ذكرت عنها شيئا في بعض الصحف وقلت جائزة عبيد وأمين مدني فصححت لي الجريدة اسم الجائزة.

أدباء هذه الطليعة الأولى سبقوا البعثات وعصر الجامعات وحفروا تاريخهم الأدبي والمعرفي بأظافر من حديد الرغبة العلمية والإرث التاريخي الذي تشع به منارات الحرم النبوي الشريف ومن فيه من العلماء الذين وهبوا للعلم حياتهم فكانوا علماء لا يحملون ألقاب الشهادات، ولكنهم يحملون معناها ومضمونها وقيمها، ومن حسن حظ أمين مدني أنه رزق بأبناء بررة أحيوا ذكره ونشروا علمه.

ثانيا الدكتور فائز البدراني:

قد يفتح الله على المرء بابا من فضله يلحق به من سبقه ويتفرد بخبيئة من الله يدرك فيها فضل السابقين، وثناء اللاحقين، والدكتور فائز البدراني هيأ الله له فرصة اغتنمها وحسنة خص بها ولا شك أنها دعوة صالحة نالها فهداه الله إلى علم لم يكن لأحد قبله فيه سبق ذلك هو علم المخطوطات والوثائق للمدينة المنورة وأخيافها وأوديتها وما تركه الأجداد من تنظيمات اجتماعية وسياسية ودينية وحياة عامرة توقفت عند قيام الدولة وابتلاع المدن لسكان تلك الخيوف ومآثرهم.ولولا الدكتور فايز وجهوده لضاع من تاريخ المنطقة أربعمئة عام كانت مجهولة لا يُخبر عنها غير تلك الكنوز المحفوظة المتفرقة في الأيدي والزوايا والكتاتيب والملاك للخيوف التي جلا عنها أهلها إلى المدن والحياة الجديدة فزهدوا فيها وتركوها للضياع في أيدي بعض من لا يعرف قدرها، ذهبت لوادي الفرع للبحث عن وثائقنا فوجدت شيخا كبيرا من الجماعة أخذني إلى غرفة مهجورة وقال هذا ما لدي من الوثائق فخذ ما تبحث عنه، ورأيت ما فيها من إهمال وعبث الباحثين عما يخصهم من الوثائق وأكثرها ملقى على الأرض بلا عناية أو محافظة، أذكر هذا بعد ما رأيت ما قام به الدكتور فائز من حفظ وترتيب وتنظيم وإنقاذ لما وصل إليه من الوثائق.

جاء هذا الشاب المتعطش للعلم والمعرفة المحب لمدينته وأهلها وتاريخها فترك الوظيفة مبكرا وتفرغ لجمع ما تفرق يسافر بين القرى والأرياف ويقيم الساعات والأيام من أجل أن يحصل على وثيقة تذكر له في أي مكان، يشد الرحال ويقيم الأيام لجمع ما استطاع منها. ونتيجة لما اطلع عليه من آلاف الوثائق زاده الله علما آخر فصار حجة في الأنساب للقبائل والعشائر والبطون والأسر في المنطقة كلها، ولا أظن أحدا يجاريه في علم الأنساب المعاصرة الذي توفر له وتفرد به، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

ثالثا الدكتور تنيضب الفائدي:

الدكتور تنيضب الفائدي كان الوجه الآخر لما قام به زميله البدراني ومن حسن الحظ أن الدكتور الفائدي بدأ حياته الوظيفية مسؤولا ومربيا في موقع متقدم في التعليم بالمدينة المنورة ويتطلب عمله جولات مستمرة على المدارس المنتشرة في الخيوف والأودية والأرياف والهجر في منطقة المدينة المنورة فالتفت إلى الجانب الآخر وهو تاريخ المنطقة الخالد وجغرافيتها وأسماء أوديتها وجبالها ومآثر النبي وأصحابه وغزواته حولها فتوجه إلى تحقيق تلك الوقائع وتحديد أماكنها ووقف عليها وعزز جهوده بتوثيق المعالم الآثارية بالصورة الفوتوغرافية الحديثة الملونة فجاءت كتبه أكثر وضوحا وجودة وكل ذلك خدمة لمعالم المدينة المنورة وتراثها وآثارها وسجل ملاحظاته وأحيا ما اندثر من أسمائها ووصف حاضرها وربطه بماضيها ونشر جهوده العلمية والجغرافية في سلسلة من البحوث والكتب.

فكانت جهود الرجلين مكمل كل منهما للآخر، وجاءت الجائزة لتقرنهما بالتقدير والتكريم كما اقترن عملهما بخدمة تراث المدينة المنورة وتاريخها، فشكرا للجائزة والهيئة العلمية فيها على جهودها ومنح الجائزة لمن يستحقها بجدارة.

Mtenback@