عبدالحليم البراك

المرأة والإنجيلة

الاثنين - 05 أبريل 2021

Mon - 05 Apr 2021

لا أجمل من منظر الإنجيلة الخضراء وهي تمتد على مرمى عينيك، سواء كانت هذه الإنجيلة زراعة طبيعية أو أنها من زراعة البشر، بل إن البشر يعتنون بها بشكل لطيف وأحيانا مبالغ فيه، فمنها المتقزم الذي لا ينمو كثيرا فتقل العناية به من ناحية القص والتشكيل، ومنها ما هو شديد الاخضرار، ومنها ما هو غالي الثمن، فسعر المتر الواحد بسعر المتر لقطعة أرض في إحدى كبرى المدن.الغريب جدا وسط عناية الإنسان المفرطة بزراعة الإنجيل إلا وتظهر بقعة صفراء برغم الدلال الكبير الذي يوليه المزارع أو البستاني فيها، فيعلل المهندس الزراعي ذلك بوجود فطريات في النبات أو التربة أو نقص أملاح أو آفة حشرية وربما نقص ماء بل ربما بلا سبب، لأن النبات اعتاد العناية به فهو ينتظر أن تبحث أنت عن أسباب إخفاقه في النمو، ويظهر هذا في ملاعب الجولف وملاعب كرة القدم.

لكن الغريب للغاية؛ أننا نرى بعض النجيل وهو ينمو بين الأرصفة أو على طريق اسفلتي بين الشقوق، أو أنه ينمو على جدار أحيانا، كما في بعض دول شرق آسيا لأنواع محددة فماذا يحدث، يمكن أن نقول إن تهديد الحياة يولد القوة فعندما يهدد حياة الإنجيلة اسفلت أو رصيف أو بلاطات مرصوصة ما إن تسقط قطرات الماء على بذرة صغيرة وفتحة مناسبة حتى تعمل قوى الحياة في الإنجيل على العيش بالقوة، فهذا هو صراع البقاء الذي جعل الإنجيل المضطهد قويا ينمو بين الشقوق، بينما النجيل الذي ينعم بالدلال كما في الملاعب تصيبه الآفات برغم كل سبل الحياة الموفرة له والعناية الفريدة، فهو من الجيل المدلل الذي يريدك أن تلقمه عناصر الحياة في فمه ومع هذا لا يريد أن يعيش.

وأرى أن هذه الرؤية قد تنطبق على بعض السيدات في العمل، فرغم التمكين للمرأة (وهذا صواب لا مرية فيه) إلا أن تمكينها بروح العناية المفرطة قد يجعلها كائنا ضعيفا يستمد قوته من العناية به، لا من قوته الداخلية، ويستمد وجوده من فتح السبل له تحت غطاء (الكوتا) وهذا في رأيي خطأ كبير، ففي الوقت الذي يجب أن تمنح المرأة فرصة، وأن تظهر في الساحات لتكون شريكة الرجل في الحياة؛ شريكة للرجل في العمل أيضا، يجب أن لا يكون على حساب الجودة، ولا على حساب شروط العمل، ولا على حساب قوة المنتج، ولا على حساب قوة المرأة نفسها، فيجب العناية بوجودها لكن لا يكون الوجود لمجرد الوجود، بل الوجود لفرض الموهبة والقيادة والتمكين والفهم للعمل كأحد أولويات بيئة العمل بغض النظر عن الجنس.

وعودة للنبات، إتاحة مكان للإنجيل للنمو، وزرعة البذرة، البيئة الجيدة والتربة الجيدة وتقديم العون والماء له ضرورة لوجوده؛ لكن الإفراط في دلاله يصبح مكلفا وليس أكثر من صيانة أكثر من وجود، كذلك عمل المرأة، إتاحة الفرصة وتمكينها أمر مهم، لكن لا يكن على حساب كفاءتها وتطويرها وتدريبها، بل يجب أن تحضر قوية أو أن تعيد ترتيب لنفسها لتنافس الرجل الممكن مسبقا ويكون وجودها وجودا أساسيا لا هامشيا. كما لا بد من الإشارة إلى أن تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة هو المحور الأساس في الموضوع، لتصبح الجودة والإتقان هما مصدر التمايز بينهما، ولذلك ما عملت عليه الدولة الآن هو تكافؤ الفرص وتمكين للمرأة وإتاحة المجال لها، ويتبقى على المرأة أن تثبت وجودها بالكفاءة في العمل وفرض نفسها، ليس بصوتها، بل بأدائها!.

Halemalbaarrak@