فهد عبدالله

الاستقلالية والانضباطية

الاثنين - 05 أبريل 2021

Mon - 05 Apr 2021

كثيرة هي المواقف التي تمر علينا ونجد فيها أن القرارات الشخصية أو حتى القرارات الجماعية في المحيط الاجتماعي أو حتى في محيط العمل مصبوغة بنكهة التقليد والاتباع للثقافات التي تشكل هذه البيئة الاجتماعية، مما يجعل الإنسان يستطيع التكهن بالقرارات والتصرفات بمجرد أن يعرف هذه المحددات، هذه ليست قاعدة عامة ولكنها جديرة بالملاحظة وتفرض السؤال الأخلاقي والسلوكي المهم: متى أكون مستقلا في القرارات؟ ومتى أكون منضبطا مع الثقافة السائدة للمكان الذي أنتمي إليه؟

أتفهم مثلا أن تتبع الإجراءات المعمول بها في مكان ما وأنت صاحب قرار لكون هذه الإجراءات منصوصا عليها ولابد من اتباعها وهذا نوع من الانضباط لهذه الثقافة السائدة في هذا المكان، وأتفهم الاستقلالية في مثل هذا المثال إذا رأيت أن هذه الإجراءات تحتاج مثلا إلى بعض التطوير فتبذل الوسع مع الجهة المسؤولة عن تنصيص هذه الإجراءات ومحاورتها في التعديل والتطوير، ففي هذا المثال كان الانضباط للثقافة السائدة وكذلك الاستقلالية حاضرة في أجمل صورها.

في نفس المثال السابق ماذا لو كان هناك تنفيذ للإجراءات بحذافيرها دون معرفة مثلا بأهميتها، ولماذا كانت كذلك أو على الطرف الآخر تنفيذ الإجراءات بالطريقة التي تناسبك دون مراعاة لماهية الثقافة والإجراءات المتبعة، كلاها طرفا نقيض يؤكد أهمية وضع الاستقلالية والانضباط في معادلة مفادها معرفة المحددات الصحيحة في الاستقلالية والانضباط للثقافة السائدة.

وهذا المثال في أماكن العمل أيضا ينسحب على بقية مفردات الحياة الأخرى بشكل أوسع من هذه الحدود العملية مثل محيط الأسرة والأصدقاء بل أيضا حتى على المستوى الفردي الشخصي، تأمل مثلا بعض الأفعال التي تعملها بشكل معتاد تجد أنك بطريقة أو بأخرى هي أثر لبعض تشكلات البيئة الاجتماعية التي عشت فيها، كمثال للتوضيح مثلا أجد نفسي أحب لعب كرة القدم بشكل أسبوعي وهذا الحب لهذه الهواية والفعل الأسبوعي المتكرر لها أعتقد أنه لن يكون حاضرا لولا أثر البيئة الاجتماعية القريبة التي كونت هذا الأثر وهذه الهواية وهذا الأمر ينطبع أيضا على بقية الأفكار والآراء والأفعال.

وهنا تتجلى الفكرة التي أريد أن أوصلها من خلال هذا المقال، متى أكون مستقلا ومتى أكون منضبطا مع الثقافة السائدة على المستوى الشخصي والأمر عندما يكون في العادات والهوايات قد يكون فيه سعة من الأمر ويأخذ الأهمية العظمى عندما نتحدث عن الأفكار الكبيرة في الحياة والآراء والتوجهات، وهذا يؤكد تماما أهمية تقوية عضلة الموضوعية في العقل التي لا تتأثر برياح البيئة الاجتماعية وجل تركيزها على مقومات المعطيات واستدلالاتها نحو الصحة بعيدا عن الأهواء والمصالح الشخصية أو تأثيرات البيئة الاجتماعية المرئية وغير المرئية في توجيه الأفكار والآراء والأفعال.

وتحضرني في الحقيقة آية كريمة تبين أثر البيئة الاجتماعية القريبة للإنسان في الميل به عن الموضوعية في القرارات الكبرى في قوله تعالى: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون) وهذه حقيقة يؤكدها الخالق في الخلق بأن البيئة الاجتماعية لها أثرها المتعالي على الإنسان في أكبر المصائر والقرارات التي يمكن أن يتخذها الإنسان من حيث الاعتقادات والديانات ولا يمكن مجابهتها إلا بالاستقلالية والموضوعية لدى الإنسان، فلك أن تتصور أيضا الجوانب التي دون مسألة الاعتقاد فهي أيضا ينسحب عليها هذا الأثر الاجتماعي.

fahdabdullahz@