ماجد التميمي

لا حرية اختيار من دون شفافية

الاحد - 04 أبريل 2021

Sun - 04 Apr 2021

اقترحت بالمقالة السابقة بأن تستثمر التقنية بزيادة الخيارات المتاحة للطلاب تمكنهم من التعلم من معلم يتناسب مع احتياجاتهم وأسلوب تعلمهم وذلك بإتاحة التسجيل لهم عند المعلم الذي يرغبون بالدراسة عنده من غير تقييد لهم بالحدود المكانية لحيهم السكني، فيتاح للمتعلم المقيم بمدينة بريدة على سبيل المثال التسجيل عند معلم بحوطة بني تميم إذا كان يرى هذا المعلم برأيه يتناسب مع احتياجاته واهتماماته. فالحدود المكانية ليس لها ذات الأهمية في العالم الرقمي.

ولكي يكون لحرية الاختيار قيمة ومعنى، فلابد من وجود شفافية ووضوح بكثير من المعلومات والبيانات كي يمكن المتعلمون وأولياء أمورهم من اختيار مقدم الخدمة المناسب لهم، والجميل أن كثيرا من هذه البيانات متوفرة ومتاحة لكن ينقصها الشفافية والإفصاح للمستفيدين من الخدمة وهم المتعلمون.

ولتتاح هذه المعلومات للمستفيدين، فمن الممكن أن تنشأ منصة يكون بها صفحة خاصة لكل معلم يعرف بها في ملفه الشخصي عن فلسفته الخاصة به في التعليم ويبين فيها قيمه ومبادئه في التعليم، واستراتيجيته وأسلوبه التعليمي وغيرها من النقاط التي بود المعلم أن يوصلها للمتعلم كي يكون عنده من يتناسب مع فلسفته التعليمية.

ومن الجيد أن تشمل صفحة المعلم الدورات التدريبية التي التحق بها، صحيح أن منصة (فارس) تحوي هذه المعلومات وتحوي نتاج المعلم العلمي، ولكن اقتصار الوصول إليها على قائد المدرسة قد يغيب الاستفادة منها أو حتى النظر إليها إلا عند المفاضلة في حالة تم الحاجة إليها. لكن بإتاحة الوصول إليها من قبل المستفيدين يوضح للمستفيدين مقدار العمل والجهد الذي بذله المعلم بمجال تطويره المهني ويرشدهم لمدى مناسبته لهم كطلاب أولأطفالهم كأولياء أمور من خلال نوعية الدورات التدريبية التي التحق بها المعلم..

وإظهارا لتميز المعلم الجيد فما المانع من أن تكون بعض التقييمات التي حصل عليها المعلم سواء تقييم قائد المدرسة أو المشرف (أوحتى درجة المعلم في الاختبارات المعيارية كاختبار الرخص المهنية ظاهرة للمستفيدين، فإظهارها تعزز الشفافية وتبرز أداء المعلم الجيد وتحفزه على الاستمرار بالتميز علاوة على أن تلك الشفافية تبعث الطمأنينة للأهالي بمعرفة نوعية المعلم الذي يدرس عنده طفلهم. صحيح أن تلك التقييمات قد لا تفصح عن جميع الجوانب التي تهم معرفتها بشكل دقيق كجودة التواصل مع أولياء الأمور أو جوانب تتعلق ببيئة التعلم كالإحساس بعدالة المعلم فربما من الأفضل أن يمكن أولياء الأمور (لاسيما أنهم ليسوا بمنعزلين عن الفصول الدراسية كما في السابق) والطلاب بتقييم معلميهم في الجوانب التي من الأصدق أو الأفضل أن تكون من قبلهم.

أيضا الإفصاح عن متوسط درجات طلاب المعلم بالاختبارات المعيارية بعد ضبط تأثير العوامل المؤثرة بتلك الدرجة الخارجة عن سيطرة المعلم سيرشد المستفيدين لمعرفة المعلم الأكثر احتمالية لرفع مستوى أطفالهم معرفيا. وقد يكون من الأفضل والأكثر إرشادا لولي الأمر ألا تضبط المؤثرات ويعوض عن ذلك برصد عدد من المتوسطات يعبر كل متوسط عن فئة من المجتمع. فمثلا يذكر متوسط درجة طلاب المعلم في الاختبارات المعيارية بمادة الكيمياء من أبناء الأسر ذات الدخل المرتفع 72 ومن أبناء الأسر ذات الدخل المتوسط 74 كي تكون هذه المتوسطات المتنوعة مؤشرا لمدى مناسبة هذا المعلم لأي فئة من المجتمع (إيمانا بتنوع احتياجات فئات المجتمع وتنوع خصائص المعلمين في إجادة التعامل مع فئات المجتمع).

وقد يزاد على هذه البيانات كل ما يمكن أن يمايز أو ينوع بين المعلمين كالمواد الدراسية (في حالة تمكن الجامعات وكليات تأهيل المعلمين من زيادة تنوع المواد الدراسية بما يتناسب مع تنوع احتياجات معلمي المستقبل والمتعلمين منهم) أوحتى بتوفير بيانات أخرى تعد مؤشرا لقدرة المعلم على خلق بيئة تعليمية جاذبة كالإفصاح عن متوسط عدد أيام حضور الطلاب عند كل معلم.

التنوع بأدوات التقييم والشفافية بالتعامل مع نتائجها يعطي تصورا شاملا وأعلى مصداقية عن المعلم يعين المعلم أولا لمعرفة أدائه من خلال عدة عدسات ومن زوايا مختلفة، وليس من عدسة قائد المدرسة فقط. وهذه الزوايا المختلفة تعين على تنويع وتوزيع اختيارات المتعلمين بناء على أولوياتهم في المفاضلة بين الخيارات. فقد تكون الأولوية في المفاضلة بين الخيارات عند المتعلم لمدى لطافة المعلم وحسن علاقته مع طلابه وبعد ذلك ينظر إلى مستوى تحصيل الطلاب العلمي السابق عند هذا المعلم، ومن الطبيعي ألا تكون هذه الأولوية في الاختيار عند جميع الطلاب.

فالتنوع في الأولويات في الاختيار سيوزع المتعلمين على المعلمين. ومؤكد أنه سيزيد الطلب على بعض المعلمين من دون بعض مما يجعل قادة المدارس (بدورهم الجديد كرؤساء تنفيذيين) ولا سيما في المدارس الأهلية يحاولون أو بعبارة أصح يحرصون على استقطاب من يكون الطلب عليه عاليا ولو زادت تكلفته فالعائد من انضمام هؤلاء المعلمين لأي مدرسة سيكون مجزيا وذلك بزيادة عوامل جذب الطلاب لمدارسهم أو جذب قسائمهم التعليمية في حالة تطبيقها.

أخيرا، الشفافية في البيانات ومشاركة أولياء الأمور والطلاب في عملية التقييم قد يظن أنها تطبيقات غير مرحب بها عند المعلمين. ولكن بالنظر لكيفية حرص مقدمي الخدمات بالمجالات الأخرى (الصحية، الغذائية، الترفيهية) عند تميزهم على أن يقيمهم عملاؤهم بالتطبيقات والبرامج المختصة بمعلومات العاملين بهذا المجال يعطي مؤشرا على أن المعلمين المتميزين سيرحبون بمثل هذه التقييمات والشفافية بها عندما يلمسون أن لهذه التقييمات قيمة إضافية لهم معنوية ومادية مع حرية الاختيار وتخصيص التعليم.

majed233@