أطباء في المهجر
الثلاثاء - 19 يوليو 2016
Tue - 19 Jul 2016
قبل مدة قصيرة تشرفت بإقامة ورشة عمل لتدريب أطباء أتراك وعرب من دول مجلس التعاون، مصر، الأردن، الجزائر في جراحات البدانة في جامعة أجي بادم التركية العريقة في مدينة إسطنبول.
وعلى هامش هذا الملتقى أتيحت لي الفرصة للتعرف على نشاط وهموم بعض الأطباء العرب الذين فقدوا أوطانهم ووجدوا في إسطنبول ملاذا آمنا وربما محطة محتملة للبحث عن وطن جديد باتجاه الغرب!
هؤلاء الأطباء أتوا من سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، لكل منهم حكاية يجمعهم رفضهم وإدانتهم الشديدة لهذا الصراع والدمار الذي حل بأوطانهم وإن اختلفوا حول المسببات والحلول.
تحدثوا عن أوطانهم بكثير من الألم والحرقة، وآمال المستقبل وإمكانية التغيير، بعيدا عن شعارات الثأر والانتقام.
كان الأطباء السوريون أكثرهم عددا وأبلغهم جرحا، فالدمار الذي حل ببلادهم فاق الوصف والخيال، ورغم بقاء العديد منهم في السنوات الأولى للثورة في وطنهم ومحاولتهم إسعاف وإنقاذ المصابين، إلا أن استهدافهم من قبل النظام السوري بالبراميل المتفجرة أدى إلى مقتل وإصابة العديد من الكوادر الطبية، هذا القصف الهمجي طال المستشفيات الميدانية البدائية، كما أن النقص في المستلزمات الطبية والأدوية الأساسية جعل من الصعب على أي طبيب أو مسعف أن يشارك في إنقاذ أرواح المصابين.
هذه الأسباب كانت كفيلة لهم بالرحيل ومغادرة بلادهم بكثير من الألم والحسرة.
الأطباء السوريون يقدرون بالآلاف من كافة التخصصات وعلى جميع المستويات العلمية وهم يقيمون في تركيا مع قرابة ثلاثة ملايين من أبناء جلدتهم، صحيح أن الحكومة التركية منحت السوريين بالذات الفرصة للبحث عن العمل، وتتم معاملتهم معاملة الأتراك دون إذن عمل مسبق، إلا أن أكثرهم وبسبب حاجز اللغة وامتحانات المعادلة الصعبة غير قادرين على الانخراط في المنظومة الطبية التركية، بل اقتصرت أعمالهم على التعاون مع بعض الجهات الخيرية في المجتمع المدني أو المنظمات الدولية التي تعنى بشؤون اللاجئين.
ومع الأخبار الواردة بشأن نية الحكومة التركية منح الجنسية التركية للمقيمين على أراضيها بصورة متواصلة لمدة ثلاثة أعوام بدلا من خمسة أعوام (كما تنص قوانين الهجرة التركية) فإنه يلوح في الأفق أمل جديد بإمكانية البقاء في تركيا والعمل كمواطن وليس لاجئا أو مقيما.
لقد رأيت أطباء تخلقوا بصفات الرحمة والعطف والإنسانية، ورغم معاناتهم الجسيمة وتضحياتهم الكبيرة إلا أن لديهم رغبة كبيرة وصادقة في تجاوز أحداث الماضي والاستمرار بمهمتهم الإنسانية النبيلة وأن ما يعيقهم هو لغتهم العربية، فهم لا يجيدون التركية وهي اللغة المعتمدة في المؤسسات الطبية في جميع أنحاء الجمهورية التركية.
ورغم التطور الكبير في القطاع الصحي التركي خلال الأعوام القليلة الماضية، والذي واكب تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في البلاد والاعتماد على الأطباء والكوادر الصحية الأتراك، إلا أن وزارة الصحة التركية لا تزال بحاجة للمزيد من الكوادر الطبية المؤهلة بشرط أن تجتاز اختبارات المعادلة وإجادة اللغة التركية.
كنا نتوقع أن تتاح لنا فرصة طويلة لحوار مفتوح مع هؤلاء الزملاء لمعرفة المزيد عن نشاطاتهم الطبية، ندواتهم، وعن أعدادهم وتخصصاتهم إلا أن الأيام الصعبة التي مروا بها وهم يرون مدنهم تمتلئ بالحرائق والدمار حتى وهم في المنفى ثم معاناتهم في مدن الشتات وما مر بهم من ذل السؤال والاستجداء قد جعلهم كثيري الترحال من مكان لآخر بحثا عن خبزهم اليومي.
والآن لعلي أستعيض عما فاتني وأضع أمام أعينكم حالة هؤلاء الأطباء العرب، وهنا أتوجه للأخوة الزملاء التنفيذيين في القطاعات الصحية بشكل عام وأتساءل، ماذا لو قمنا بدراسة إمكانية استقطابهم بما يعود بالنفع على الخدمات الصحية بالمملكة أو حتى في دول مجلس التعاون الخليجي. وحيث إننا نشهد علاقة متنامية وزيارات متبادلة بين كبار تنفيذيي وزارتي الصحة في المملكة وتركيا في الآونة الأخيرة لعلها فرصة مواتية لبحث هذا الأمر.
الآن وفي مواكبة برامج وأهداف الصحة للتحول الوطني 2020 فإن بلادنا والتي يشكل الأطباء السعوديون ما نسبته 23 % فقط من إجمالي عدد الأطباء العاملين في جميع القطاعات الصحية، فنحن بحاجة ماسة ومستمرة لاستقطاب الأطباء وفي كافة التخصصات، ولا شك أن الأطباء العرب هم الأكثر ملاءمة لتنفيذ أهداف وبرامج هذا التحول. كما لا يخفى على الكثير أن لجان التوظيف العديدة التي تجوب عواصم العالم تجد صعوبة في استقطاب الكفاءات الطبية للعمل بالمملكة لأسباب مختلفة.
لقد قيلت أشياء عديدة عن وضعنا العربي المعتم والذي لم يعد بالإمكان من خلاله قراءة هموم الناس وأحلامهم وأفراحهم، ولو وضعنا تلك الهموم جانبا وتوقفنا قليلا عند الجانب الإنساني لهؤلاء الأطباء ثم ألقينا نظرة فاحصة لاحتياجاتنا الطبية، فإنه بالإمكان التوقف ولو لبرهة لمناقشة هذه الإمكانية.
أعرف أنه من الممكن الحكم على مبادرة كهذه بأنها سريعة وعاطفية وربما أنها لا تفي بالغرض، إلا أن ما رأيته من انفعال في وجوه هؤلاء الرجال وما عبروا عنه من آمال وأحلام في مواصلة مهنتهم النبيلة، يجعل من هؤلاء الأطباء (الناطقين بالعربية) عونا لنا في مواجهة التحديات الكبيرة في تطوير الخدمات الصحية في وطننا الكبير المترامي الأطراف.
وعلى هامش هذا الملتقى أتيحت لي الفرصة للتعرف على نشاط وهموم بعض الأطباء العرب الذين فقدوا أوطانهم ووجدوا في إسطنبول ملاذا آمنا وربما محطة محتملة للبحث عن وطن جديد باتجاه الغرب!
هؤلاء الأطباء أتوا من سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، لكل منهم حكاية يجمعهم رفضهم وإدانتهم الشديدة لهذا الصراع والدمار الذي حل بأوطانهم وإن اختلفوا حول المسببات والحلول.
تحدثوا عن أوطانهم بكثير من الألم والحرقة، وآمال المستقبل وإمكانية التغيير، بعيدا عن شعارات الثأر والانتقام.
كان الأطباء السوريون أكثرهم عددا وأبلغهم جرحا، فالدمار الذي حل ببلادهم فاق الوصف والخيال، ورغم بقاء العديد منهم في السنوات الأولى للثورة في وطنهم ومحاولتهم إسعاف وإنقاذ المصابين، إلا أن استهدافهم من قبل النظام السوري بالبراميل المتفجرة أدى إلى مقتل وإصابة العديد من الكوادر الطبية، هذا القصف الهمجي طال المستشفيات الميدانية البدائية، كما أن النقص في المستلزمات الطبية والأدوية الأساسية جعل من الصعب على أي طبيب أو مسعف أن يشارك في إنقاذ أرواح المصابين.
هذه الأسباب كانت كفيلة لهم بالرحيل ومغادرة بلادهم بكثير من الألم والحسرة.
الأطباء السوريون يقدرون بالآلاف من كافة التخصصات وعلى جميع المستويات العلمية وهم يقيمون في تركيا مع قرابة ثلاثة ملايين من أبناء جلدتهم، صحيح أن الحكومة التركية منحت السوريين بالذات الفرصة للبحث عن العمل، وتتم معاملتهم معاملة الأتراك دون إذن عمل مسبق، إلا أن أكثرهم وبسبب حاجز اللغة وامتحانات المعادلة الصعبة غير قادرين على الانخراط في المنظومة الطبية التركية، بل اقتصرت أعمالهم على التعاون مع بعض الجهات الخيرية في المجتمع المدني أو المنظمات الدولية التي تعنى بشؤون اللاجئين.
ومع الأخبار الواردة بشأن نية الحكومة التركية منح الجنسية التركية للمقيمين على أراضيها بصورة متواصلة لمدة ثلاثة أعوام بدلا من خمسة أعوام (كما تنص قوانين الهجرة التركية) فإنه يلوح في الأفق أمل جديد بإمكانية البقاء في تركيا والعمل كمواطن وليس لاجئا أو مقيما.
لقد رأيت أطباء تخلقوا بصفات الرحمة والعطف والإنسانية، ورغم معاناتهم الجسيمة وتضحياتهم الكبيرة إلا أن لديهم رغبة كبيرة وصادقة في تجاوز أحداث الماضي والاستمرار بمهمتهم الإنسانية النبيلة وأن ما يعيقهم هو لغتهم العربية، فهم لا يجيدون التركية وهي اللغة المعتمدة في المؤسسات الطبية في جميع أنحاء الجمهورية التركية.
ورغم التطور الكبير في القطاع الصحي التركي خلال الأعوام القليلة الماضية، والذي واكب تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في البلاد والاعتماد على الأطباء والكوادر الصحية الأتراك، إلا أن وزارة الصحة التركية لا تزال بحاجة للمزيد من الكوادر الطبية المؤهلة بشرط أن تجتاز اختبارات المعادلة وإجادة اللغة التركية.
كنا نتوقع أن تتاح لنا فرصة طويلة لحوار مفتوح مع هؤلاء الزملاء لمعرفة المزيد عن نشاطاتهم الطبية، ندواتهم، وعن أعدادهم وتخصصاتهم إلا أن الأيام الصعبة التي مروا بها وهم يرون مدنهم تمتلئ بالحرائق والدمار حتى وهم في المنفى ثم معاناتهم في مدن الشتات وما مر بهم من ذل السؤال والاستجداء قد جعلهم كثيري الترحال من مكان لآخر بحثا عن خبزهم اليومي.
والآن لعلي أستعيض عما فاتني وأضع أمام أعينكم حالة هؤلاء الأطباء العرب، وهنا أتوجه للأخوة الزملاء التنفيذيين في القطاعات الصحية بشكل عام وأتساءل، ماذا لو قمنا بدراسة إمكانية استقطابهم بما يعود بالنفع على الخدمات الصحية بالمملكة أو حتى في دول مجلس التعاون الخليجي. وحيث إننا نشهد علاقة متنامية وزيارات متبادلة بين كبار تنفيذيي وزارتي الصحة في المملكة وتركيا في الآونة الأخيرة لعلها فرصة مواتية لبحث هذا الأمر.
الآن وفي مواكبة برامج وأهداف الصحة للتحول الوطني 2020 فإن بلادنا والتي يشكل الأطباء السعوديون ما نسبته 23 % فقط من إجمالي عدد الأطباء العاملين في جميع القطاعات الصحية، فنحن بحاجة ماسة ومستمرة لاستقطاب الأطباء وفي كافة التخصصات، ولا شك أن الأطباء العرب هم الأكثر ملاءمة لتنفيذ أهداف وبرامج هذا التحول. كما لا يخفى على الكثير أن لجان التوظيف العديدة التي تجوب عواصم العالم تجد صعوبة في استقطاب الكفاءات الطبية للعمل بالمملكة لأسباب مختلفة.
لقد قيلت أشياء عديدة عن وضعنا العربي المعتم والذي لم يعد بالإمكان من خلاله قراءة هموم الناس وأحلامهم وأفراحهم، ولو وضعنا تلك الهموم جانبا وتوقفنا قليلا عند الجانب الإنساني لهؤلاء الأطباء ثم ألقينا نظرة فاحصة لاحتياجاتنا الطبية، فإنه بالإمكان التوقف ولو لبرهة لمناقشة هذه الإمكانية.
أعرف أنه من الممكن الحكم على مبادرة كهذه بأنها سريعة وعاطفية وربما أنها لا تفي بالغرض، إلا أن ما رأيته من انفعال في وجوه هؤلاء الرجال وما عبروا عنه من آمال وأحلام في مواصلة مهنتهم النبيلة، يجعل من هؤلاء الأطباء (الناطقين بالعربية) عونا لنا في مواجهة التحديات الكبيرة في تطوير الخدمات الصحية في وطننا الكبير المترامي الأطراف.