مرزوق بن تنباك

قابلية التحولات

الثلاثاء - 23 مارس 2021

Tue - 23 Mar 2021

قضايا المجتمع وشؤونه وحاجاته وطرائق معاشه لا يمكن أن تنتهي أو تُحل في يوم وليلة، ولا في سنة أو سنوات لكنها تستمر ما استمر الدهر وتتجدد بتجدد الأغراض والحاجات، وحراك الناس وحياتهم تحتاج التغيير والتعديل والتبديل من وقت لآخر، وتحتاج الإصلاح في كل وقت وبلا توقف أو تردد، والمجتمع الذي لا تتجدد همومه واحتياجاته مجتمع راكد وخامل وغير عامل ولا منتج، أما العمل والإنتاج الذي لا بد منه فمن الضروري تنميته والدفع لحراكه وحيويته واستمراره وتفجير طاقاته التي قد يعطلها الاجتهاد الخاطئ. وسرعة تقبل التغير والتبدل والتحول عامل صحي ومطلوب وضرورة لا بد منها، حتى وإن كانت هذه الركائز الثلاث قد تُصاحبها فجوات وتجاوزات ومشكلات لا يمكن تجاهلها ولا التغافل عنها وعلاجها ضمن دائرة الحراك نفسه مهم، حتى لا تكون سببا في تعطيل تقدمه أو انعكاسا سلبيا على ما يحقق من نجاح لمسيرته وحراكه الطبيعي:

سرعة التغير:

غرد الزميل الأستاذ الدكتور سعد الحسين جامعة الملك سعود بصورتين لطلابه، وقال: إن بينهما أقل من سنة، إحدى الصورتين تظهر كل الطلاب بالزي المحلي وبالعقال والغترة واثنين فقط بلا عقال ولا غترة، وأظهرت الصورة الأخرى عدد الطلاب في صالة الامتحان وليس فيهم من يلبس الغترة والعقال، وليس المراد هنا الحديث عن تغير اللباس أو البقاء عليه، المراد دلالة التغير وسرعته والمدة الزمنية القصيرة بين الحالين التي تدل على مدى القابلية للتغيير والتكيف السريع معه، كما أن الذين وقع عليهم الاختيار هم الشباب بعد الثامنة عشرة من العمر، وهي مرحلة عمرية هامة لقياس النمو الاجتماعي الطبيعي، ويتبع تغير اللباس تغير قناعات كثيرة لدى هذه الفئة في شؤونهم الأخرى وعاداتهم وسهولة قبولهم للجديد وتعلقهم به.

تغيير الزي كان في الماضي يستغرق وقتا طويلا وقلما يحدث في ظرف قصير، وسرعته دليل على أن المجتمع بجملته مستعد للتغيير وقابل له، وأن ركوده السابق كان بسبب المصدات والعراقيل التي وضعت في طريقه وعرقلت مسيره وأبعدته عن التحديث والمعاصرة، وتلبية الحاجات التي تقتضيها ظروف تطوره ومطالبه، فما كادت تزول عوامل التجميد التي تعرض لها الناس في الفترة السابقة حتى عاد حراكه وعادت طبيعته إلى مسارها الصحيح.

قابلية التبدل:

ومثلما رأينا سرعة في تغيير الزي والملبس نرى سرعة وتبدلا مهمين في الممارسات الفردية والجماعية وفي العادات كالدعوات والمناسبات ونوع النشاطات والاجتماعات وتقاليدها، وحتى أماكنها التي تقام فيها، فقبل فترة ليست بعيدة كان لا يخطر على بال كثير من الناس أن يدعو أحدهم ضيوفه أو أصدقاءه أو من يريد إكرامه في غير منزله ولو فعل غير ذلك لكان شيئا غريبا وغير مستساغ اجتماعيا، وربما يحسب ضربا من التخلي عن التقاليد والأعراف المرعية في هذه المناسبات، أما اليوم فإن أكثر هذه المناسبات أصبحت تقام في المطاعم والفنادق والاستراحات، وقل ما يقيم المرء شيئا من ذلك في منزله الخاص، وهو تبدل له علاقة قوية في القابلية للتعديل حتى في الموروث الاجتماعي.

ضرورة التحول:

أما التحولات الكبيرة المؤثرة والمهمة فهي هذا الانفتاح الاجتماعي على الداخل قبل الخارج، والنشاط العملي الذي ما ظن أكثر الناس تفاؤلا أن يحدث مثله في المجتمع ليس في سنوات بل في عقود طويلة، فمنذ سبعين سنة عشناها لم يستطع المجتمع أن يقفز إلى الأمام بهذه السرعة والانضباط، تلك القفزات التي حدثت في سنوات محدودة وغيرت وجه المجتمع ودفعته مسافات بعيدة إلى الأمام، حيث ترى في الأسواق وترى في الشارع وترى في أماكن العمل من التحول ما يشبه المعجزة.

تحول في المعاملات، وتحول في العلاقات، وتحول في الممارسات، وتحول هائل في أدبيات التعامل بين البشر، وهو تحول إيجابي أخرج الناس من دائرة المصدات المصطنعة والممنوعات المتخيلة ووساوس الشيطان وسوء الظن، وأعادهم إلى السلوك السوي الذي تعيشه المجتمعات ويعرفه البشر في كل مكان مع الاختلاف والتنوع والتعدد.

Mtenback@