عبدالحليم البراك

عمر والشيخ والبحر!

الاثنين - 22 مارس 2021

Mon - 22 Mar 2021

في رواية الشيخ والبحر للكاتب الأمريكي أرسنت هيمنجواي، يصارع الرجل العجوز من أجل اصطياد سمكة كبيرة فتجتمع عليه أسماك القرش حتى تسرق وتنهش سمكته وتؤذيه، هذا الرجل المقاتل كان قد اعتمد على تاريخ شبابه العامر، لكن خانت السنين قواه وعضلاته فلم يعد هو نفسه بعد هذه السنوات، ليجد نفسه في كوخه الصغير بلا سمكة بعد أكثر من 48 يوما بلا صيد. هذه الرواية العالمية اللطيفة تعكس حال حوار دار بين الشاب (عمر) و(الشيخ) عن السحر (البحر) على إحدى القنوات الفضائية.

فعمر يستند لأرضية مختلفة عن أرضية الشيخ، وكان الأجدر به أن يصعد لرؤية الشيخ حتى يقنعه بوجهة نظره، فالشيخ ينظر للموضوع بشكل ديني وواقعي (على حد تعبيره)، بينما الشاب ينظر للموضوع بشكل (فيزيائي حسي) فحتى تثبت خطأ غيرك، عليك أن تستخدم أدواته الفكرية لتقنعه بخطأ فكرته، وإلا لن تصل لنتيجة.

ففي رواية الشيخ والبحر، كانت أدوات العجوز هي تاريخه، لكن لم يشفع له تاريخه في اصطياد السمكة ولا مقاومة أسماك القرش ولا الوصول الآمن لبيته، فلم يصل الشاب عمر لمبتغاه لأنه يحتاج أن يعيد النظر في أدواته وأدوات غيره ويتسلح بما يناسب الحوار!

ويستند الشاب عمر في حواره إلى تجربته في محاولته البائسة لإحضار السحر واستحضاره وفق كتاب شمس المعارف ولكنه يفشل، وفشله يثبت فشل وجود السحر أصلا (هكذا زعم)، فالشيخ لا يناقش الشاب بأنه أخطأ في الوصول للنتيجة لأن الأدوات التي استخدمها لم تكن كاملة، ولم ينزل الشيخ للشاب بأدوات الشاب ليناقشه، بل تمسك برؤيته الدينية الواقعية، وتمسك الشاب بتجربته الفاشلة (فشل في استحضار السحر يعني عدم وجود السحر).

في رواية العجوز والبحر، يصر والد الطفل الصغير على عدم مرافقة ابنه للشيخ، لأنه هرم ولأنه منذ شهرين أو يزيد كان يذهب للبحر دون أن يصطاد سمكة، وبهذه الرؤية فإن الوالد الواقعي بحكم التجربة والحس المتكرر يتنبأ بالمستقبل، فيتوقع أن الشيخ لن يجد شيئا، فلو ذهب ابنه مع العجوز لربما أحضر أكبر سمكة في القرية، ولكن لم يحدث هذا.

في أي حوار يقوم على الإنصات أولا، واحترام المحاور ثانيا، ونقد الآخر من خلال فكره وأدبياته وليس من خلال فكرك وأدبياتك وبعد أن تثبت أن فكرته خاطئة من خلال فكره هو، تجهز عليه بصحة فكرتك، لكن الذي حدث أنه لا الشاب احترم أدبيات الحوار، ولا الشيخ الذي يغلي غيرة أثبت (بالفيزياء - أدوات الشاب الحوارية) أن فكرته غير صائبة، وللعلم يمكن وفق قواعد فلسفة العلوم أن يثبت خطأ الشاب وتجربته لكن الشيخ لم يكن يعتني بذلك أصلا بل كانت رؤيته أن منطلقاته صحيحة ولا يهمه منطلقات الشاب، وأخيرا كل يغرد في ناحية أخرى.

في بداية رواية الشيخ والبحر، الشيخ يريد أن يصطاد سمكة يبيعها أو يأكلها على الأقل، وفي نهايتها لا اصطاد السمكة ولم تبق له قوته، لأنه عاد منهكا، ولا كسب خدمات الطفل المعاون الصغير، وهذا ما حدث في حوار الطرشان حول وجود السحر، لا الشاب أثبت عدم وجود السحر إلا سؤالا ميتا كرره مرارا، ولا الشيخ أثبت أن السحر الواقعي (حسب تعبيره) موجود بالواقع حسيا كما يطلب الشاب، ولا الشاب تناول أدوات الشيخ الدينية فناقشها وأثبت من خلالها عدم وجود السحر، وهذا يقودنا لنتيجة: المعرفة أساس الحوار وليس الحماس والإيمان بالفكرة هما الأساس، لأنك بالمعرفة تثبت علمك، وبالحماس فقط ترفع صوتك وتقاطع غيرك وتسخر ويسخرك منك غيرك!

Halemalbaarrak@