مرزوق بن تنباك

فاطمئنوا رحمكم الله

الثلاثاء - 16 مارس 2021

Tue - 16 Mar 2021

تعد السياحة في هذا العصر مصدرا اقتصاديا مهما في كثير من دول العالم، حيث أصبحت مطلبا للناس ومصدرا للرزق، وتعددت موضوعاتها وتنوعت أنشطة القائمين عليها وأصبح في كل بلد مقومات تتوفر فيه ويشتهر بها، وقد لا يوجد في بلد ما يوجد لآخر، تعددت مجالات السياحة وأغراضها التي تجذب السياح من أقطار الأرض، منها جمال الطبيعة والتسهيلات التي تخدم السياح، ومنها الآثار وما تقدمه المتاحف العالمية التي توفر حصيلة كبيرة من المقتنيات التي تهم الناس ويودون الاطلاع عليها، ومنها سياحة الأماكن التي ارتبطت بذاكرة الإنسان وكونت حصيلة من وعيه، وحتى الترفيه لذاته له طلابه وعشاقه ومريدوه والباحثون عنه، وكذلك المناخ حين يهاجر الناس كالطيور من المناخ الحار إلى البارد في فصل من فصول السنة، ويحصل العكس أيضا وتتنوع المناخات وتباعد المسافات.

ولا شك أن هناك عوامل كثيرة أحدثت التطور السريع عند الناس في حب الأسفار والعشق لها، ومنها وسائل التواصل السريع ووسائل النقل عابرة القارات وتقارب الأماكن وانكشاف ما فيها من غرائب الأشياء وعجائبها. وأصبحت السياحة صناعة عالمية وحرفة يحترفها كثيرون في العالم ولأجلها قامت شركات ومؤسسات متخصصة في شؤونها وقضاياها والدعوة لها والقيام عليها، هيأت الفرص وخففت من الصعاب التي قد يواجهها السياح، إذن أصبحت السياحة موردا اقتصاديا مهما يخطط له علماء الاقتصاد وأهل التجارة وطلاب المال، وليس هناك أكثر من أهمية المال والاقتصاد ومن يطلبهما ويعمل من أجلهما.

ولأن تنوع السياحة وتعدد مجالاتها في قارات العالم لا يمكن أن نحصيهما في مقال عابر مثل هذا المقال، فسأقتصر على بلادنا وما فيها من الفرص السياحية الواعدة والبكر في الوقت نفسه التي لم يرتدها أحد من قبل، ولم تفتح أبوابها ولم تستغل كنشاط اقتصادي مربح، ولا سيما أن ما لدينا من نماذج السياحة ما تنفرد به المملكة العربية السعودية.

ومع ذلك أهملناه وتجاوزناه ولم نوجه النظر إليه والاستثمار فيه إلا أخيرا. أعني بالتفرد، السياحة الدينية التي حبانا الله بها وأكرمنا، إذ كنا أهلها والقائمين عليها حيث مهبط الوحي ومبعث النبي ومهوى أفئدة ملياري مسلم، يقرؤون في تاريخ دينهم أسماء وأحداثا وأماكن وشخصيات مثل غزوات النبي وسراياه والمواقع التي كانت ميدانا لتلك الغزوات والسرايا، وأسماء يحملها التراث الإسلامي الضخم، والمسلمون يقرؤون التراث ويتشوقون لرؤية ما قرؤوه والنظر إلى ما سمعوه ويودون لو رأوا تلك الأماكن والآثار، وفي الحج والعمرة سياحة روحية دائمة.

كما يوجد في مكة والمدينة والطائف آثار النبي منذ مولده ونشأته وشبابه ونبوته، وطريق هجرته ومراحل نزوله وارتحاله ومساجده التي صلى بها ومثوى أمه في الأبواء، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتبعون مآثره ويزورون معاهده كما جاء في الروايات عن زيارة الخلفاء الراشدين تأسيا به لبئر أريس بئر الخاتم التي سقط فيها الخاتم في القصة المعروفة. وكان عبدالله بن عمر يتبع آثاره ومراحل نزوله ويزم ناقته ويقول لعل خفا يوافق خفا، وينزل حيث نزل ويصلي حيث صلى، ونحن أولى باتباعهم والأخذ بسنتهم، وأماكن مساجده التي صلى فيها في طريق حجه وتنقلاته معروفة حتى اليوم، وبعضها ما زالت قائمة آثاره ومن أهل البلاد من يعرفون الأماكن ويحددونها بالضبط.

فما يحتاج الأمر غير الترخيص للقطاع الخاص لتهيئة هذه الأماكن وتحديثها وفتح الطرق إليها للاستفادة منها، والاستثمار فيها لن يكلف كثيرا ويستطيع أن يقوم به رجال الأعمال من أهل المنطقة إذا سمح لهم بذلك.

وبقي أن نضع في الهامش أن قصر الحمراء في الأندلس يزوره كل عام أكثر من ستين مليونا من السياح من جميع أجناس البشر وأديانهم، ومثلهم من يزور متحف اللوفر في فرنسا ومنزل شكسبير في أكسفورد في بريطانيا وتاج محل في أكرا في الهند وغيرها مئات الآثار والمتاحف، ولم يذكر أن أحدا من هؤلاء أشرك في معتقده أو تحول عن دينه بسبب زيارته لتلك الآثار ورؤيتها، فاطمئنوا رحمكم الله.

Mtenback@