ماجد التميمي

اختبار الرخص المهنية للقيادات المدرسية في ضوء التصورات الدولية

السبت - 13 مارس 2021

Sat - 13 Mar 2021

ذكرت في المقالة السابقة أن هيئة تقويم التعليم والتدريب نصت بدليل المعايير على أن المعايير المهنية تتناول «ما ينبغي على قائد المدرسة معرفته والقدرة على أدائه في مجال عمله... وتركز المعايير المهنية لقادة المدارس على قيادة المدرسة بطريقة احترافية وبناء قواعد سليمة يتم من خلالها تحقيق معايير تتوافق مع المعايير الدولية».

لكن كما بدت الأسئلة المذكورة بالنموذج لا تمكن من معرفة إذا كان لدى المختبر المعرفة (بمراتبها العليا) والقدرة على الأداء وفق المعايير والاتجاهات المرادة لدى الجهة الموظفة، وذلك لاعتماد الأسئلة على قياس الحفظ والاستذكار وهي معرفة بمستوياتها الدنيا لا تعني أن لدى القائد المعرفة بكيفية استخدام هذه المعلومات المحفوظة. ففي يومه الدراسي لن يسمع من هو صاحب نظرية القيادة التحويلية أو يعدد ما هي وظائف الإدارة، فلهذا اختبار الرخص المهنية ينبغي أن يرتبط بالواقع وكيفية ممارسة النظرية، بدلا من حفظ مسميات النظريات وروادها.

فكيف إذن يمكن أن تقاس معرفة قائد المدرسة؟

بالالتفات للمؤسسات التعليمية المختلفة التي تستخدم الاختبارات المعيارية كمتطلب للعمل في الوظائف التعليمية، يحسن بدايات تطبيق الأنظمة الجديدة عليها. فكينونات هذا العالم في زمن العولمة يمكنها الاستفادة للتكامل بعضها مع بعض، بدلا من أن كل كينونة تبدأ من نقطة الصفر ويجعل كل كينونة تبدأ وتطور من حيث انتهى الآخر. فبما يخص اختبار الرخص المهنية للقيادات المدرسية يعد النظام التعليمي في ولاية نيويورك أحد الأنظمة الرائدة التي تستحق الاستفادة من نوعية اختباراتها المعيارية المتطلبة للحصول على الرخص المهنية المؤهلة للوظائف في المجال التربوي، فالريادة بالرخص المهنية في ولاية نيويورك بالاعتماد على الاختبارات المعيارية ليست في مجال القيادات المدرسية أو في المجال التربوي عموما فقط، فهي رائدة أيضا بالرخص المهنية الأخرى كرخصة المحاماة أو ما تعرف باختبارات البار.

اختبار قيادات المدارس بولاية نيويورك يحاول قياس ما إذا كانت المعرفة عند المختبر تمكنه من القيام بالدور والمسؤوليات التي عليه القيام بها في اليوم الدراسي، كالتواصل الفعال مع منسوبي المدرسة من طلاب ومعلمين وأولياء أمور، الذي يحتاج فيه إلى مهارات لغوية لفظية وكتابية، أو دوره في القيام بالزيارات الصفية للمعلمين والمساهمة في تطوير المعلمين بالاعتماد على البيانات التي عنده، سواء الناتجة من الزيارات الصفية أو من نتائج الاستبيانات، أو دوره بزيادة تحصيل الطلاب الأكاديمي عن طريق خلق بيئة تعليمية جاذبة تعزز الانتماء للمدرسة، مبنية على العدالة بين الطلاب وبتوظيف للأنظمة والإجراءات القانونية الهادفة لتحقيق أهداف المدرسة.

ولكي يتمتع الاختبار بمصداقية أعلى، أو بعبارة أخرى لكي يتوقع أن من يجتاز الاختبار قادر أو لديه المعرفة اللازمة لأداء المهام والأدوار المتوقع منه القيام بها على النحو المرغوب به؛ فأسئلة الاختبار تشمل سيناريوهات تصور ثقافة مدرسة أو تصف يوما دراسيا بكامل أحداثه، ويطلب من المختبر الإجابة عن أسئلة تعتمد على قياس المعرفة بمراتبها العليا، من تحليل وتركيب ونقد، وهي المعرفة التي تفصح عن مهارات يحتاج لها القائد بعمله اليومي، فهو سيواجه مشكلات تحتاج لتحليل، وعند صناعة أو اتخاذ قرار ستتوفر لديه خيارات يحتاج لفرزها ونقدها لاختيار الأفضل منها.

فعلى سبيل المثال بما أن من مهام قائد المدرسة زيادة مشاركة ودمج المعلمين وأولياء الأمور والمجتمع في صناعة قرار المدرسة، ولكن هذا الدمج والمشاركة قد ينتج منهما إشكاليات بسبب قصور في معرفة كيفية استخدام المشاركة؛ تقاس معرفة القائد بكيفية توظيف مشاركة أعضاء المدرسة بالقرار بطلب قراءة نص يصف يوما دراسيا أو ثقافة مدرسة، ويوضع على النص ما يقارب خمسة أسئلة تعتمد على تحليل النص لقياس مهارة القائد بتحليل المشكلة، ومن ثم وضع خيارات لحل المشكلة لقياس مهارة التطبيق والنقد، وهي من مهارات المعرفة العليا وتحاكي دور القائد فعليا باليوم الدراسي.

القيادة القائمة على البيانات من المعرفة المطلوبة عند قائد المدرسة، وللتأكد من قدرة ومعرفة المتقدم بكيفية استخدام البيانات فإن اختبار القيادات المدرسية بولاية نيويورك يكون على جزء لبيانات مدرسة، سواء تحصيل الطلاب أو نتائج أحد الاستبيانات، ويطلب من المتقدم للاختبار الإجابة عن أسئلة تعتمد على معرفة تحليل هذه البيانات، ومعرفة مواطن الخلل بالمدرسة التي تحتاج لإصلاح وتعديل، ومواطن القوة التي يسعى لتطويرها والمحافظة عليها.

وبما أن من مهام قائد المدرسة تقييم المعلمين أيضا، يُطلب من المتقدم للاختبار مشاهدة مقطع فيديو مدته 15 دقيقة، ثم يطلب من المختبر أن يقيم أداء المعلم وفقا للمعايير المنصوص عليها في نموذج ملاحظة المعلم المعتمد من قبل الولاية، بالإضافة لكتابة نص ما بين 300 و600 كلمة، تمثل محادثة قائد المدرسة للمعلم فيما بعد الزيارة الصفية. ومحاكاة للواقع يتاح للمختبر مشاهدة الفيديو مرة واحدة ولا يسمح له بإيقافه أو إعادته. فمن خلال هذا النوع من الأسئلة تُعرف إمكانات المختبر في تقييم المعلمين، وفق الآلية والمنهجية التي ترغب بها الجهة الموظفة، وتعرف أيضا إمكاناته في مهارات التواصل اللفظية والكتابية، وهي مهارات يحتاج لها القائد في يومه الدراسي.

أخيرا، قرارات وتصرفات قائد المدرسة قد تتأثر بلياقة القائد بالتعامل مع اليوم الدراسي. فقد يكون القائد يملك نفسا قصيرا، فيستطيع التعامل مع بعض القضايا ومشاكل المدرسة في بداية اليوم الدراسي، لكن يضعف تحكمه بنفسه بمنتصف أو نهاية اليوم الدراسي. وربما لهذا مدة الاختبار للجزء الواحد أربع ساعات، كي تحاكي مدة اليوم الدراسي وتعطي انطباعا أكثر صدقا من ناحية كيفية اتخاذ بعض القرارات مع طول وقت العمل وانخفاض طاقة القائد بنهاية اليوم الدراسي.

في النهاية، ليس معنى هذا أن اختبار ولاية نيويورك هو الأمثل للتطبيق أو إيجاد اختبار بمصداقيته أو أفضل هو كاف لإصلاح نظام اختبار الرخص المهنية، وذلك لإشكالات أخرى بنظام الرخص المهنية الحالي خلاف الاختبار، ولكنه يستأنس به وبغيره للبدء، ولكي يسهل البناء من حيث وصلت له الأنظمة التعليمية الدولية.

الرجوع للأنظمة والتجارب الدولية لم يكن غائبا على القسم المعني ببناء دليل الرخص المهنية للقيادات المدرسية في هيئة تقويم التعليم والتدريب، كما أشاروا في دليل الرخص المهنية. ولكن يبدو أن رجوعهم للأنظمة الدولية في الرخص المهنية لتخصص القيادة المدرسية كان مقتصرا على أهمية وجود معايير، وليس لكيفية تصميم الاختبارات المرتبطة بالرخص المهنية! وحتى بالرجوع للمعايير لا يوجد تشابه أو تأثير ملحوظ من المعايير المعتمدة عند منظمات ومؤسسات الاعتماد الأكاديمي لبرامج القيادات المدرسية على المعايير الصادرة من هيئة تقويم التعليم من ناحية نوعيتها وكيفية استخدامها تصميم البرامج التدريبية بناء على هذه المعايير، قبل أن يختبر المتقدم بمعرفته في القيادة التعليمية المبنية على هذه المعايير كي لا تغيب الموضوعية أو بعبارة أخرى المرجعية المتفق عليها بين الجهة المختبرة والمتقدم للاختبار.

@majed233