تباريح الاشتياق
السبت - 13 مارس 2021
Sat - 13 Mar 2021
وأنا أقرأ قصيدته المفعمة بعاطفة حنونة مكتنزة بكل معاني الود والاشتياق لحبيب طال غيابه، فانكسر الفؤاد شوقا إليه، وباتت الروح في غربة وهي بعيدة عنه، حتى إنها لتجد في الهجرة ملاذا، لكنه الملاذ المر، وأي ملاذ سيكون هانئا والروح تحترق في متاهات دربها تروي حنين التلاق؟
تذكرت حال المتنبي وهو يرثي فؤاده، ويخفف عن كاهله بعض ما أثقله من ذنب الخطيئة في لوم كل محب، حتى إذا انكفأ معهم وجرى له ما جرى لهم، أدرك أنهم على الحق سائرون، وتعجب من غيرهم ممن قد حرم متعة العشق في حياته، ولله دره حيا وميتا حين يقول في قصيدته القافية:
أرق على أرق ومثلي يأرق
وجوى يزيد وعبرة تترقرق
جهد الصبابة أن تكون كما أرى
عين مسهدة وقلب يخفق
ما لاح برق أو ترنم طائر
إلا انثنيت ولي فؤاد شيق
جربت من نار الهوى ما تنطفي
نار الغضى وتكل عما تحرق
وعذلت أهل العشق حتى ذقته
فعجبت كيف يموت من لا يعشق؟!
وعذرتهم وعرفت ذنبي أنني
عيرتهم فلقيت فيه ما لقوا
أبني أبينا نحن أهل منازل أبدا
غراب البين فيها ينعق
نبكي على الدنيا وما من معشر
جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
لعلي بهذه الأبيات أجيب شاعرنا الكبير اللواء عبد القادر كمال، الذي فجر كوامن الاشتياق في النفس بقوله، وحرك مشاعر الود والحنين داخل كل صدر بلفظه، فجاءت قصيدته التي وسمها بـ»نفحة الاشتياق» نفحة في كل شيء، نفحة في الزمان الذي قد تبدل، والمكان الذي تغير، والرجال الرجال الذين بتنا نفتقدهم، وصفاء الأرواح التي انزوت أكاليلها في أعماقنا، تنتظر عودة نفس تائهة في زحمة دنيا كاذبة.
لم يوارب في ابتدائه، وكان شفافا في منتهاه، فجاءت قصيدته كتابا مفتوحا لكل من تأمل، تنطق بحال كثير ممن تم تأبينهم نسيانا وهم أحياء، ولعمري فتلك هي مأساة كل مثقف صادق مرهف الإحساس آثر الانزواء والهجرة بعيدا ليأنس بما تبقى من حياته، لكن صدقه قد أورثه لوعة الحنين فعاش متيما بحزنه، كالشاعر العراقي يحيى السماوي الذي هاجر يأسا إلى أقصى الأرض، غير أن روحه لم تستكن في منفاها الطوعي، فالهجرة الطوعية للمثقف الصادق منفى تموت فيه الروح رويدا رويدا.
في قصيدته هذه، أراد الشاعر عبد القادر كمال أن يردف «معزوفة ريحه» بعزف منفرد يصل خاتمة كتابه المنشور سابقا، ببداية مفتوحة ومختلفة من حيث المحتوى والمضمون، وهو سمت عاشه رفاقه من قبيلة الشعراء زمنا بعد زمن، ولن يكون آخرهم شوقا وحنينا، وهو القائل:
يلازمني الشوق صبحا
وعند ابتسام النجوم
يعانقني الاشتياق
ألوذ بحرفي
وأشكو حنينا
فتغمرني لفحة الاحتراق
وهذا أنا في متاهات دربي
وقد ارتحلت
على صهوة خيل عتاق
لأبذر قمحي
على وجنات النجوم
وأسكب من دمع عيني
سواقي
تروي حنين التلاق
أنا، من أنا؟
شاعر حالم
أعيش مع حظي العاثر
وتنهل من حرقتي
مفردات الفراق
يصادر ليلي
انبلاج الصباح
ويودعني في مسار المحاق
كأني السماوي
هاجر يأسا
وفي مقلتيه
حنين العراق
أشير إلى أن الشاعر اللواء عبد القادر ابن الأديب والمؤرخ الطائفي محيي الدين كمال، قد أيقظ داخلي من حيث ابتداء نشأته وانتمائه العائلي بركانا لم يخمد من الحنين والشوق لمدينة ولدت بها، فأبصرت نفسي النور في مراتعها الخضراء وبساتينها الموردة، ثم أراد الله أن يضم ثراها رفات حبيب ارتبط كياني بهالته، وتعلقت روحي بروحه، وسكن فؤادي إلى جواره حاضرا وغائبا، إنه والدي يرحمه الله الذي لم يغادرني منذ اللحظة التي فاضت روحه إلى بارئها، وأشعر بالحنين إليه صباح مساء، لكنها الحياة بإيمان هي ما تفرض علينا التفاؤل، والنظر بإيجابية، والأمل في غد يكون أكثر إشراقا ووفاء، وحتما فلن يكون في الهجرة أي سلوان لتباريح الاشتياق.
zash113@
تذكرت حال المتنبي وهو يرثي فؤاده، ويخفف عن كاهله بعض ما أثقله من ذنب الخطيئة في لوم كل محب، حتى إذا انكفأ معهم وجرى له ما جرى لهم، أدرك أنهم على الحق سائرون، وتعجب من غيرهم ممن قد حرم متعة العشق في حياته، ولله دره حيا وميتا حين يقول في قصيدته القافية:
أرق على أرق ومثلي يأرق
وجوى يزيد وعبرة تترقرق
جهد الصبابة أن تكون كما أرى
عين مسهدة وقلب يخفق
ما لاح برق أو ترنم طائر
إلا انثنيت ولي فؤاد شيق
جربت من نار الهوى ما تنطفي
نار الغضى وتكل عما تحرق
وعذلت أهل العشق حتى ذقته
فعجبت كيف يموت من لا يعشق؟!
وعذرتهم وعرفت ذنبي أنني
عيرتهم فلقيت فيه ما لقوا
أبني أبينا نحن أهل منازل أبدا
غراب البين فيها ينعق
نبكي على الدنيا وما من معشر
جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
لعلي بهذه الأبيات أجيب شاعرنا الكبير اللواء عبد القادر كمال، الذي فجر كوامن الاشتياق في النفس بقوله، وحرك مشاعر الود والحنين داخل كل صدر بلفظه، فجاءت قصيدته التي وسمها بـ»نفحة الاشتياق» نفحة في كل شيء، نفحة في الزمان الذي قد تبدل، والمكان الذي تغير، والرجال الرجال الذين بتنا نفتقدهم، وصفاء الأرواح التي انزوت أكاليلها في أعماقنا، تنتظر عودة نفس تائهة في زحمة دنيا كاذبة.
لم يوارب في ابتدائه، وكان شفافا في منتهاه، فجاءت قصيدته كتابا مفتوحا لكل من تأمل، تنطق بحال كثير ممن تم تأبينهم نسيانا وهم أحياء، ولعمري فتلك هي مأساة كل مثقف صادق مرهف الإحساس آثر الانزواء والهجرة بعيدا ليأنس بما تبقى من حياته، لكن صدقه قد أورثه لوعة الحنين فعاش متيما بحزنه، كالشاعر العراقي يحيى السماوي الذي هاجر يأسا إلى أقصى الأرض، غير أن روحه لم تستكن في منفاها الطوعي، فالهجرة الطوعية للمثقف الصادق منفى تموت فيه الروح رويدا رويدا.
في قصيدته هذه، أراد الشاعر عبد القادر كمال أن يردف «معزوفة ريحه» بعزف منفرد يصل خاتمة كتابه المنشور سابقا، ببداية مفتوحة ومختلفة من حيث المحتوى والمضمون، وهو سمت عاشه رفاقه من قبيلة الشعراء زمنا بعد زمن، ولن يكون آخرهم شوقا وحنينا، وهو القائل:
يلازمني الشوق صبحا
وعند ابتسام النجوم
يعانقني الاشتياق
ألوذ بحرفي
وأشكو حنينا
فتغمرني لفحة الاحتراق
وهذا أنا في متاهات دربي
وقد ارتحلت
على صهوة خيل عتاق
لأبذر قمحي
على وجنات النجوم
وأسكب من دمع عيني
سواقي
تروي حنين التلاق
أنا، من أنا؟
شاعر حالم
أعيش مع حظي العاثر
وتنهل من حرقتي
مفردات الفراق
يصادر ليلي
انبلاج الصباح
ويودعني في مسار المحاق
كأني السماوي
هاجر يأسا
وفي مقلتيه
حنين العراق
أشير إلى أن الشاعر اللواء عبد القادر ابن الأديب والمؤرخ الطائفي محيي الدين كمال، قد أيقظ داخلي من حيث ابتداء نشأته وانتمائه العائلي بركانا لم يخمد من الحنين والشوق لمدينة ولدت بها، فأبصرت نفسي النور في مراتعها الخضراء وبساتينها الموردة، ثم أراد الله أن يضم ثراها رفات حبيب ارتبط كياني بهالته، وتعلقت روحي بروحه، وسكن فؤادي إلى جواره حاضرا وغائبا، إنه والدي يرحمه الله الذي لم يغادرني منذ اللحظة التي فاضت روحه إلى بارئها، وأشعر بالحنين إليه صباح مساء، لكنها الحياة بإيمان هي ما تفرض علينا التفاؤل، والنظر بإيجابية، والأمل في غد يكون أكثر إشراقا ووفاء، وحتما فلن يكون في الهجرة أي سلوان لتباريح الاشتياق.
zash113@