فتحية عبدالله القرني

منصة مدرستي.. التعليم عن قرب وتكامل الإبداع

الخميس - 11 مارس 2021

Thu - 11 Mar 2021

جائحة غزت العالم فأثقلت على دول ومرت بأخرى مرورا خفيفا، وكان العامل الفارق في ذلك هو قدرة كل دولة على إدارة هذه الأزمة ومعاييرها في تحديد أولوياتها. وقد كانت صحة وسلامة الإنسان هي الأولوية في المملكة العربية السعودية. ومع ذلك فالقيادة لم تغفل التعليم ولم تألُ - كعادتها- جهدا في سبيل خلق السبل إليه لكل مواطن ومقيم. وهذا ما اتضح جليا في هذه الأزمة من خلال اتخاذ قرارات حكيمة تفتقت عنها أبعاد جديدة في التعليم أحيت لدي شخصيا آمالا كادت أن تندثر.

فأثناء دراستي لمرحلة الماجستير في المملكة المتحدة حظيت بدراسة التقنية وتوظيفها في التعليم وخاصة تقنيات Web2.0. كم كنت منبهرة بالأكاديميات الافتراضية وبتطبيقات قوقل التفاعلية الموازية لتطبيقات مايكروسوفت.

كنت أتوق إلى تنفيذ هذه الأساليب التعليمية الجاذبة مع طالباتي. وهذا ما فعلته لاحقا؛ لتصدم محاولاتي بقلة الحماس عند بعض الأسر وعوز الإنترنت والأجهزة لدى البعض الآخر. كان الإحباط سيد الموقف فأخمد تلك المحاولات في مهدها. وللإنصاف أيضا نقول بأنه لم تكن الحاجة ملحة لدى الجميع لتطبيق التعليم الالكتروني كخط مواز للتعليم المدرسي المعتاد، حتى ابتلينا كغيرنا بوصول جائحة كورونا ليكون القرار الحكيم بإيقاف التعليم حضوريا تحقيقا للمبادئ الاحترازية اللازمة لكبح جماح هذا الوباء. وأكمل الطلاب والمعلمون العام الدراسي المنصرم عبر منظومة التعلم الالكتروني، تمهيدا لما هو أكثر احتواء ونضجا واحترافية.

وتنطلق منصة مدرستي هذا العام لترمم حطام أحلامي بعد أن وفرت وزارة التعليم حسابا مجانيا لكل طالب يمكنه من الولوج إلى تطبيقات مايكروسوفت بخصائصها التفاعلية لتمكنهم من مواصلة التعليم في بيئة تعليمية افتراضية تحاكي الواقع في المحتوى التعليمي وتتفوق عليه في الأدوات والإبداع. هذه المنصة نقلت دور الآباء والأمهات من مرحلة المتابعة إلى مرحلة الانغماس الحقيقي في تعليم أطفالهم، خاصة في المرحلة الابتدائية، بحكم احتياج الأطفال في هذه المرحلة العمرية للدعم الأسري في عملية التعلم. وأصبح الطفل يتلقى دروسه من معلميه وهو في حضن والديه وأصبح التعليم الذي يسمى عن بعد تعليما عن قرب في الوقت عينه.

إن هذه البيئة التعليمية الافتراضية بكل تفاعلاتها لهي فرصة لاكتساب خبرات جديدة ما كان لها أن تتحقق في الظروف الطبيعية. ولئن كان الطلاب والطالبات هم الفئة المستهدفة عند إنشاء المنصة فقد امتدت الفائدة التعليمية لتشمل المعلمين والوالدين. حيث اتقد حماس الكادر التعليمي لتعلم الكثير من المهارات والتطبيقات التي تساعدهم في أداء رسالتهم التعليمية والتربوية. كما وجد الوالدان في هذا التحدي فرصة لاكتساب مهارات تقنية جديدة تعينهم فيما يتعلق بدراسة أبنائهم.

ورغم ذلك لم تخل هذه المسيرة من التحديات التي تم التغلب عليها. فقد واجهت بعض الأسر صعوبات في توفير الأجهزة لأبنائها فهبّت إمارات المناطق لتوفير الأجهزة مجانا هبة سخية من حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لأبنائه الطلاب. كما ساهمت وزارة التعليم في حل هذه المشكلة بتقسيم اليوم الدراسي بما يحقق التوازن في توقيت الدوام بين المراحل المختلفة للتعليم العام. فشكرا ثم شكرا لقيادتنا الرشيدة.

هذا التكامل في الأداء على مستوى جميع الأطراف نتج عنه نجاح منقطع النظير تجاوز بكثير ما كنت أطمح لتحقيقه بناء على تجربتي التعليمية في الخارج. وبالتالي فهذا الإنجاز يدفعنا للمضي قدما في مواصلة التعليم عبر منصة مدرستي حتى بعد انجلاء أزمة كورونا بإذن الله. ويجب علينا تشجيع الطلاب والأسر على عدم النظر للوراء أو العودة لنظام ما قبل كورونا.

وختاما نقول: لطالما غرد المعلمون بين جنبات الفصول بعبارة المدرسة هي بيتك الثاني ليتلقاها الطلاب مرحبين أو مشككين؛ كل بحسب خبراته ومواقفه التعليمية. ولكننا اليوم بفضل الله وبكل فخر وثقة نقول إن كل بيت في المملكة العربية السعودية أصبح مدرسة.