مرزوق بن تنباك

ضيافتنا للغة الإنجليزية

الثلاثاء - 09 مارس 2021

Tue - 09 Mar 2021

لا بأس إن شاء الله أن نتعلم جميع لغات العالم من الشرق والغرب، ولا بأس أيضا أن تكون اللغة الإنجليزية هي سيدة اللغات عندنا وأن نتعلمها ونحسنها ونعلمها أولادنا من المهد إلى اللحد، ولا بأس أيضا أن نعرف ولو من باب أن العلم بالشيء خير من الجهل به أن هذه اللغة قد انتشرت لغة مخاطبة وتواصل سريع في العالم كله، وأن تعلمها ليس ممنوعا على أحد، ولكن لنعرف أن إتقانها لم يعد ميزة ولا فضيلة نعتد بها اليوم، كما كان هذا حالها قبل أربعين عاما، لسبب بسيط جدا وهو أنها أصبحت لغة العامة وأصبح الذين يتكلمونها مكسرة أو سليمة هم الأكثرية بيننا، حتى الأطفال والأميون يجيدونها ويتحدثون بها، ولم يعد الحديث بها يميز من يتكلمها عن غيره من عباد الله.

وحتى نكون أكثر عدلا بحق هذه اللغة فإنها تُعَلَّم في الجامعات والمدارس والمؤسسات في أكثر بلاد الشرق والغرب الذي نحن جزء مهم منه، ولكن لنعلم جيدا أن تلك الأمم لم تحول لغة التعليم والعمل إليها بدل لغتها، بل جعلت للغة الإنجليزية تخصصات ضيقة ومحدودة، ولم تهمل لغاتها الأصلية فجمعت بين تعلمها والمحافظة على مكانة لغاتها واحترام ذاتها وتحقيق مصالحها دون التفريط بشيء من مقومات هويتها، لأنها تعلم أن لغتها الأصلية ليست للتواصل فقط ولكنها جزء من الشخصية السوية للأمة، وهي الهوية التي ينتمي إليها الناس ويحافظون عليها ويتميزون بها عن غيرهم، أما تعلم اللغة الأجنبية فهو لضرورة طارئة وحالة مؤقتة يحتاجها الناس لزمن ثم لا تطول حاجتهم لها ولا يستمرون فيها.

وعلى كل حال، وحتى نكون من المنصفين وما أقل المنصفين من الناس، فإن الأمم التي تُعلم باللغة الإنجليزية وتَتَعلمها لا تجعلها الأولى في التعليم العام، ولا في التعليم العالي، وتجعل لغاتها الأصلية هي لغة التعليم في كل مراحله وفي كل موضوعاته، واللغة التي يحتاجون تعلمها رديفة في أحسن الحالات ولا يقدمونها على لغاتهم القومية والوطنية، بل تُجعل ثانية وفي تخصصات محدودة.

أما نحن العرب، ولا سيما أهل المشرق، فقد وضعناها موضعا رفيعا وأكرمناها كرما عربيا حين أعطيناها الفضل وأنزلناها المنزل الأعلى، ليس محاباة لها ولكن لما في ثقافتنا من الكرم العربي الذي يحظى به الغريب وما نفضل به البعيد على القريب والجار على الأهل، والدليل بكل حيادية وموضوعية، أننا لا نقول شعر الغزل الرقيق في الزوجة، ولا أحسن الأوصاف فيها ولا مدحا للأم ولا لغيرهما من المحارم، بل نجعل دفق عواطفنا يتوجه إلى المرأة البعيدة المتمنعة المتعالية ومن لم نرها وقد لا يكون عشقنا لها إلا سماع أوصافها أو تخيل جمالها، ومن لا تجمعنا بها غير التصورات والأحلام في الصحو وفي المنام، عشقنا للغة الإنجليزية هو عشق عذري لا يحقق مصلحة ولا يشبع رغبة ولا يقوي صلة.

نعود لما نريد من الكلام، وهو أن الاهتمام بتعلم اللغة الإنجليزية لا يوجب علينا أن نعطل العمل باللغة العربية في التعليم وفي المراسلات والمعاملات وفي البنوك والشركات وفي العقود الاتفاقيات، ولا في أسماء المطاعم والمتاجر والمتنزهات وغيرها من النشاطات العامة التي تحولت بقدرة قادر إلى اللغة الإنجليزية.

اللغة العربية التي نتجافى عن استعمالها في شؤوننا اليومية اعترفت بها الأمم المتحدة لغة رسمية من اللغات المعتمدة، ويتكلمها أربعمئة مليون عربي ويتعبد الله بها مليارا مسلم ولها موروث لغوي عمره ألفا عام، وقبل ذلك وبعده هي لغتنا، تعبر عن كينونتنا وفيها مخزون تراثنا ونصوص ديننا والصلة الجامعة لنا، وما تواجه من تساهل في حقها وتجاف عن تعلمها وإهمال للاهتمام بها يعد عقوقا من أهلها ونكرانا لفضلها، والسلام عليكم.

Mtenback@