شاهر النهاري

ديمقراطية أمريكا تأكل نفسها

الاثنين - 08 مارس 2021

Mon - 08 Mar 2021

لقد تحولت أمريكا كثيرا، حتى إن أغلبية شعبها لم يعودوا يجدون أنفسهم فيها، وكم يصمتون، ويتحاشون طرح آرائهم بصراحة وحرية، حتى ولو كان ذلك على مستوى التعبير عن الرأي في الإعلام والفن والكوميديا.

طغيان مفاهيم الديمقراطية المتطرفة تنكر المبادئ الأصيلة لكينونة الشعب الأمريكي، الذي كان السباق لصنع الحلم الأمريكي بكل معانيه وعظمته، ليصبح اليوم مرتعبا من تخطي أو تكسير ما يفرضه مؤيدو المفهوم الديمقراطي الإنساني الجديد من ضرورة الشعور بالندم، والتكفير عما يريدون إثباته من أخطاء اقترفتها الأجيال السابقة، وضرورة الشعور بالخزي، ودفع ثمن الخطيئة، وعدم التفاخر بأصالة الماضي.

في مفهوم ديمقراطية أمريكا الحالية والمتحورة جينيا، أن تكون من النسويات أفضل مرات عديدة من أن تكون رجلا، متخطين مفهوم المساواة.

وأن تكون معاقا أفضل بكثير من أن تكون سليم العقل والجسد. وأن تكون منحرفا أو متحولا جنسيا أفضل من أن تكون مستقيما تسعى لتكوين أسرة طبيعية. وأن تكون ملونا فلك حقوق عظيمة، يجب أن يوازيها نقص في حقوق البيض تكفيرا عن ذنوب أجدادهم! وأن تكون مفتخرا بتراث أفريقيا أفضل مرات عديدة من الافتخار بإرث المؤسسين الأوائل لعظمة أمريكا عسكريا وسياسيا وعلميا وحقوقيا وتاريخيا.

وأن تكون مهاجرا أفضل بدرجات عمن أسس أهاليهم وأجدادهم أحلامهم منذ البدايات.

وأن تكون مجتهدا ملونا لم يسمع عنه إلا قلة، أفضل بكثير من أن تكون من جهابذة العلماء البيض ممن أنشأوا وأسسوا الحضارات الفكرية البشرية، وأشبعوا الكون بالعلوم والمخترعات.

كن أي شيء في أمريكا إلا أن تكون سويا أصيلا وطنيا معتدلا، حتى تكون قادرا على التعايش مع من حضروا من البعد وفرضوا معتقداتهم وعقدهم وتراثهم وولاءهم المعاكس لأمريكا، والمفاهيم تنقلب، فقد ولى عصر التحدث بحرية وطلاقة، والقوانين والعقوبات تقيدك بشكل رهيب، وتمنع التصريح بالرأي فيما يحدث في وطنك كأمريكي وكأنه من العالم الثالث، فلا تنتقد السياسة الأمريكية، في توجهها الغريب العجيب، الذي يسعى لتشتيت كل إرث، وتهميش كل مثال أمريكي عظيم، ومسح تضحيات من أسسوا الدولة والدستور، وكل من بنوا وحققوا الكينونة الأمريكية، التي حكمت العالم في العقود الأخيرة، بقوة ومنعة، وها هي اليوم تسعى عبر ما يسمى بالديمقراطية المستحدثة، إلى الهدم والإخلال بكل قيمها، وذبح كل تميز، وتسليم الوطن الأمريكي هدية للشتات والهمجية.

حقائق وشواهد ما يحدث موجودة بقوة ويتم زراعتها في مخيلة الأطفال، فلا يوجد عمل إعلامي أو فني دون دس المتحولين جنسيا، ودون طغيان النسويات، وهيمنة الملونين، وتشويه الأسرة والتركيبة المجتمعية، بشكل مريع!

استعلم من محركات البحث عن أهم البارزين الأوائل المؤثرين في العلوم والمعارف الإنسانية، وستفاجأ بما تحاول تلك المحركات من تحويره وتزويره في جداولها، بشطب أو تهميش العلماء الحقيقيين من البيض، وإبراز الملونين والمختلفين، بتزوير عظيم للحقائق والتاريخ.

والسؤال: من الذي يسعى لذلك؟ ومن الذي اخترق الجامعات الأمريكية ومراكز البحوث بالأموال، سعيا لمسح الذاكرة وشرذمة الشعب الأمريكي؟

وقد شهدنا نتاج ذلك أثناء الانتخابات الأخيرة، وما لحقها من انقسام شعبي واضح، وربما نشهد تحطيم عظمة أمريكا، بحروب أهلية، وانزلاق من قمة البشرية، إلى عقبها، ولا عزاء للخانعين المرتعبين من مطاردة القوانين المستجدة المتلبسة بحقوق إنسانية مبالغ فيها.

@shaheralnahari