العصر الذهبي للمتطرفين
الثلاثاء - 19 يوليو 2016
Tue - 19 Jul 2016
تبدأ الحكاية قبل عشر سنوات في شركة تسجيلات في مدينة سان فرانسيسكو بغرب الولايات المتحدة عندما اقترح أحد موظفيها طرح خدمة تواصل اجتماعي باستخدام الرسائل القصيرة تمكن مستخدميها من معرفة ما يجري حولهم. الشركة التي كانت تحت ضغط تشغيلي من المنافسين في مجال الصوتيات والموسيقى قررت تبني الفكرة وأطلقت عليها مسمى «تويتر».
ولأسباب ما زالت مجهولة لعلماء الآثار والأنثربولوجيا قرر مطورو الموقع إضافة زر «إلغاء المتابعة» ليصبح بمقدور كل «مغرد» بناء شبكته الخاصة من المتابعين وعدم الاضطرار لسماع من ينشرون تغريدات لا تثير اهتمامه أو لا توافق رأيه.
البعض يعتقد أن هذه التقنية تمثل روح الانترنت حيث لا يجبر أحد على قراءة ذات النسخة من الجريدة أو التحلق حول نفس البرنامج التلفزيوني الذي تم إعادة تحرير محتواه وتقييده بقواعد العرف الاجتماعي والرغبة السياسية.
الملايين تحولوا مباشرة إلى استخدام تويتر وغيره من الشبكات الاجتماعية والاستغناء عن نشرة أخبار التاسعة مساء، والملايين أصبح بمقدورهم «إلغاء متابعة أو صداقة» كل من لا يروق لهم تفكيرا أو اهتماما.
والتقنية التي صدق مبتكروها أنها أفضل أداة لنشر الديمقراطية وحرية التعبير وتمكين الأقليات، تحولت إلى حقل من الخنادق الصغيرة يجتمع في كل خندق منها مجموعات متجانسة في الرأي يعزز كل فرد منها لصاحبه فكرة أنهم المجموعة الوحيدة التي تستحق الاهتمام أو حتى الوجود. لا أحد يعلم تحديدا أثر هذه الخنادق الافتراضية على الواقع. ولكن في عالم أصبح الأفراد فيه وقودا للتناحر الطائفي بين السنة والشيعة، وتتمكن داعش من تجنيد المئات من مختلف بقاع الأرض باستخدام شبكتها الالكترونية، وينقب الفرد البسيط في أرشيف مغرد آخر بحثا عن «زلة» يستعدي بها المجتمع ضده، ويصعد ترامب إلى قائمة المشهد السياسي بكل تصوراته التي تنبذ أبسط مبادئ الحوار وتقبل الآخر، ويضحي المصوتون في بريطانيا بنمو اقتصادهم مقابل إغلاق حدود بلادهم في وجه المهاجرين.. لا يمكن عزل تويتر المصدر الأول لمعرفة «ما يحدث» كمحرك لهذا التشنج العالمي.
بالطبع تويتر ليس سوى مجرد أداة، وإلغاء المتابعة مجرد خيار تقني، ولكنها الأداة التي تقتات على أبسط دوافعنا النفسية في البحث عن المعلومات التي تؤكد مواقفنا المسبقة والانحياز إلى المحيط الذي يزودنا بشعور مريح وناعم بأن ما نؤمن به وننتمي إليه هو الصواب والأصل. هذه غريزة أساسية مركبة في أدمغتنا جميعا نحاول مقاومة أثرها السلبي باستخدام التعليم والإعلام المنصف. والدراسات التي حاولت تحليل سلوك «المغردين» وجدت أن تويتر هو المحيط الأمثل للنرجسية، ووضع الذات في منتصف كل شيء، وتجاهل كل ما لا يتفق مع الموقف الشخصي. وإدمان هذه الأداة يجعل مطالعة أي مصدر معرفي آخر يحاول الجمع بين الرأي والرأي الآخر مهمة مملة وثقيلة الهضم.
هذه النتائج ليست مجرد رأي متشائم، فالدراسات التي أجريت على التغريدات السياسية (كما تشاهد في الانفوجرافيك المرفق) وجدت أن المغردين يتوزعون في معسكرين منفصلين كل منهما يتابع ويعيد تغريد رأي الحزب والطائفة. والاستثناء الوحيد لحالة التخندق هذه هو استخدام المغردين السياسيين لخاصية الرد للاجتماع في هاشتاق واحد وتبادل الجدال والاتهامات والسخرية. وما يزيد الوضع تعقيدا، أن مستوى التطرف وقوة التعبير عنه في هذه الردود يفوق بكثير ما يردده الأشخاص في حواراتهم الشخصية وجها لوجه. وإن كنت تعتقد أن هذا القلق غير مبرر فلك أن تعلم أن المتطرفين في الشبكات الاجتماعية – سواء يمينا أو يسارا – هم الأكثر تصويتا في الانتخابات والأعلى تفاعلا في تشكيل الرأي العام.
في فضاء الانترنت يعمل زر إلغاء المتابعة كقوة طاردة تدفع كل طرف إلى الزاوية الأبعد وتترك الوسط منطقة خالية لا يقترب منها سوى المشغولين بمشاركة صور الأكل ونصائح السفر وأخبار الايفون الجديد.
ولأسباب ما زالت مجهولة لعلماء الآثار والأنثربولوجيا قرر مطورو الموقع إضافة زر «إلغاء المتابعة» ليصبح بمقدور كل «مغرد» بناء شبكته الخاصة من المتابعين وعدم الاضطرار لسماع من ينشرون تغريدات لا تثير اهتمامه أو لا توافق رأيه.
البعض يعتقد أن هذه التقنية تمثل روح الانترنت حيث لا يجبر أحد على قراءة ذات النسخة من الجريدة أو التحلق حول نفس البرنامج التلفزيوني الذي تم إعادة تحرير محتواه وتقييده بقواعد العرف الاجتماعي والرغبة السياسية.
الملايين تحولوا مباشرة إلى استخدام تويتر وغيره من الشبكات الاجتماعية والاستغناء عن نشرة أخبار التاسعة مساء، والملايين أصبح بمقدورهم «إلغاء متابعة أو صداقة» كل من لا يروق لهم تفكيرا أو اهتماما.
والتقنية التي صدق مبتكروها أنها أفضل أداة لنشر الديمقراطية وحرية التعبير وتمكين الأقليات، تحولت إلى حقل من الخنادق الصغيرة يجتمع في كل خندق منها مجموعات متجانسة في الرأي يعزز كل فرد منها لصاحبه فكرة أنهم المجموعة الوحيدة التي تستحق الاهتمام أو حتى الوجود. لا أحد يعلم تحديدا أثر هذه الخنادق الافتراضية على الواقع. ولكن في عالم أصبح الأفراد فيه وقودا للتناحر الطائفي بين السنة والشيعة، وتتمكن داعش من تجنيد المئات من مختلف بقاع الأرض باستخدام شبكتها الالكترونية، وينقب الفرد البسيط في أرشيف مغرد آخر بحثا عن «زلة» يستعدي بها المجتمع ضده، ويصعد ترامب إلى قائمة المشهد السياسي بكل تصوراته التي تنبذ أبسط مبادئ الحوار وتقبل الآخر، ويضحي المصوتون في بريطانيا بنمو اقتصادهم مقابل إغلاق حدود بلادهم في وجه المهاجرين.. لا يمكن عزل تويتر المصدر الأول لمعرفة «ما يحدث» كمحرك لهذا التشنج العالمي.
بالطبع تويتر ليس سوى مجرد أداة، وإلغاء المتابعة مجرد خيار تقني، ولكنها الأداة التي تقتات على أبسط دوافعنا النفسية في البحث عن المعلومات التي تؤكد مواقفنا المسبقة والانحياز إلى المحيط الذي يزودنا بشعور مريح وناعم بأن ما نؤمن به وننتمي إليه هو الصواب والأصل. هذه غريزة أساسية مركبة في أدمغتنا جميعا نحاول مقاومة أثرها السلبي باستخدام التعليم والإعلام المنصف. والدراسات التي حاولت تحليل سلوك «المغردين» وجدت أن تويتر هو المحيط الأمثل للنرجسية، ووضع الذات في منتصف كل شيء، وتجاهل كل ما لا يتفق مع الموقف الشخصي. وإدمان هذه الأداة يجعل مطالعة أي مصدر معرفي آخر يحاول الجمع بين الرأي والرأي الآخر مهمة مملة وثقيلة الهضم.
هذه النتائج ليست مجرد رأي متشائم، فالدراسات التي أجريت على التغريدات السياسية (كما تشاهد في الانفوجرافيك المرفق) وجدت أن المغردين يتوزعون في معسكرين منفصلين كل منهما يتابع ويعيد تغريد رأي الحزب والطائفة. والاستثناء الوحيد لحالة التخندق هذه هو استخدام المغردين السياسيين لخاصية الرد للاجتماع في هاشتاق واحد وتبادل الجدال والاتهامات والسخرية. وما يزيد الوضع تعقيدا، أن مستوى التطرف وقوة التعبير عنه في هذه الردود يفوق بكثير ما يردده الأشخاص في حواراتهم الشخصية وجها لوجه. وإن كنت تعتقد أن هذا القلق غير مبرر فلك أن تعلم أن المتطرفين في الشبكات الاجتماعية – سواء يمينا أو يسارا – هم الأكثر تصويتا في الانتخابات والأعلى تفاعلا في تشكيل الرأي العام.
في فضاء الانترنت يعمل زر إلغاء المتابعة كقوة طاردة تدفع كل طرف إلى الزاوية الأبعد وتترك الوسط منطقة خالية لا يقترب منها سوى المشغولين بمشاركة صور الأكل ونصائح السفر وأخبار الايفون الجديد.