القراءة الدعائية: قرّاء عموميون.. كتّاب حسب الطلب
الأحد - 07 مارس 2021
Sun - 07 Mar 2021
لم تسلم ملكة القراءة، ومهاراتها، من تجني الصرعات والموضة. استطاع هياج التصنع والأوهام التسويقية، أن يقتحم عالم القراءة والكتابة والكتاب؛ وضرب عمق المشهد الثقافي، في تناول الكتب والتعاطي معها. فمن الأكثر مبيعا وتزييفاتها الضمنية والمقصودة، إلى حسابات المشاهير، وترويجاتهم المدفوعة - بلا شك!
تطالعنا حسابات وسائل التواصل، بشتى الأغلفة المهيأ ما حولها بأكواب القهوة والأيدي الممتدة، ونظارات القراءة الأنيقة المذهبة والصقيلة. من أسفار عريقة، إلى كتب الفلسفة والفكر، باتجاه الروايات المتوغلة في صميم توجهات القراء الدعائية والغريزية! إلى صرعات التنمية البشرية، التي اتسعت - جدا - في تأليفها الأقلام واستسهلت العقول معالجتها بكل استهتار وادعاء ودجل. لا شيء يبدو طبيعيا - غالبا؛ في عمق هذه المطالعات والتباهي المكشوف، نلمس توغل سياسات السوق والاقتصاد وفلسفة خط الإنتاج؛ والترويج والدعاية والإعلان، يقول الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) في خطاب نوبل عن الادعاء: إن حب الظهور دافع ذو قوة هائلة . [ .. ] «أنظر إليّ» هي واحدة من أكثر الرغبات الجوهرية للقلب البشري، والتي تأخذ أشكالا لا حصر لها، ابتداء من تعمد التهريج إلى السعي وراء الشهرة بعد الموت.
وهنا، نجد بعض أسباب وبصيص وغايات مشكلتنا ووسائل تفسيرها، من خلال ما طرحناه في بداية هذه المقالة، ولنتلمس من خلال مقولة (راسل)، بعض جوانب التحليل التقريبي الناجع لهذا الحال.
في دهاليز هذه العمليات والمطالعات الجمعية، من أمواج وهدير المتواصلين عبر التطبيقات الذكية، تبرز معضلة تحول التماهي القرائي النوعي والرصين، والتناول العميق للكتاب. لم نعد نفقه ما هي أسباب هذا الفوران الثقافي الذي يشبه نارا، بلا حرارة أو دخان تطلق طاقات الإبداع، في محركات العقل والإنسانية والمجتمعات والأفراد، لنرى لهذه الفورة نتاجا يحسم المسألة! ما نراه - حقا، هو تدني بل تساهل ساذج، لتناول تلك الأفكار المخبوءة في تصانيف وبين دفات الكتب؛ هل يعي القراء وجماهير المحتفين بالكتب بالكميات والأطوال والأوزان والأعداد الكثيرة من الإصدارات؟ أقول هل يعي هؤلاء مدى خطورة استسهال والاستخفاف بعمق الفكر والكتابة والكتاب وتجلياته المقدسة والعميقة؟ كيف يبدو تناول هذه المطالعات إن صدقت، بدون أدنى تأثير واضح وبالغ في مهجة ووجدان التلقي لدى هؤلاء المحتفين بشتى الأنواع والأعداد من الكتب؟
للأسف.. تستمر حالة الهذيان الفكري في الوعي الجمعي، والتلقي الثقافي؛ لا دلائل موثوقة على نتائج هذه الثورة القرائية، يبقى الحال في انحدار، نسبيا! لكن.. هل تمخضت هذه الصرعة الظاهرة عن لا شيء، سوى الملصقات والشعارات القرائية، التي تبهج النظر وتغشيه ببهرجة موجات الادعاء والتمثيل والمباهاة بالتقاط الصور، فقط؟
في ظني، أن الحركة المحمومة حول الكتاب والأغلفة والتمظهر بمظاهر القراءة الكثيفة على مستوى الكم، ما هي إلا عنوان بارز يصدق أن يقال عنه وفيه، عنوان إحدى مسرحيات شكسبير الشهيرة، ألا وهو : جعجعة بلا طحن! لكن! ويبدو أننا نكثر وسنكثر من (لكن) هذه! في معرض الحديث وتناول هذه الحالة بالتحليل.. أليس كل هذه الظواهر الدعائية الادعائية، قابلة أو قادرة على التأثير في فعل الكتابة نفسه؟ نعم، هذا ما ستؤول إليه المسألة في ظني، إذا ارتكزنا على موضوع هذه الظاهرة القرائية المزيفة (كما اتفقنا مسبقا) تجاه مفهوم وعمليات تشكيل الكتابة من خلال التأثير عليها، من جانب تلك الظاهرة الدعائية للقراءة، فإن عمليات الكتابة ستخسر كثيرا من ألقها وتمكنها، عبر اندفاع كثير من طالبي حصة من هذه (الكعكة) الدعائية التسويقية، وسيقوم هؤلاء الكتبة بالتزامن مع فورة (القراءة الإعلانية) كما أسميها وصفا للحالة السابقة الذكر، سيقوم الكتبة بتلبية رغبات المتسوقين المحتملين في سوق الكتب التي تخضع لتأثيرات ما يسمى : الموضة، في هذا الزمن الدعائي التجاري الكبير والضخم. سينشأ لنا كتبة حسب الطلب.. هم في الواقع تعبيرا عن ما يفرضه قانون العرض والطلب، الذي بات مؤخرا، يخيم على مناحٍ كثيرة في الحياة، ليس آخرها - طبعا، مجال الثقافة والفكر، عبر المفهوم العظيم الذي يطلق عليه (القراءة)، بمحاولة سحقه تحت آلة السوق والاقتصاد والمال والأعمال.
وهنا أختم بمقولة للقارئ الكبير، الكاتب الأرجنتيني (خورخي لويس بورخيس) الذي طالما تعمق في مفهوم القراءة، حتى بلغ به هذا الشأن أن يستصغر في موازاتها مفهوم (الكتابة) والإبداع، يقول: إنني أعتبر نفسي قارئا في الأساس، ولقد تجرأت كما تعلمون على الكتابة.
وهنا أقول قولا، في كلمات مختصرة بسيطة، أعجز عن إيضاحه وتفسيره وكشف خباياه أكثر، كما أفهمه وأتذوقه وأجده في وجداني الخاص، أقول: إن القراءة - يا أصدقاء - سر عميق ومدهش من أسرار هذا العالم، وما يجب حقا هو أن نستمر بالقراءة، والتعلم من القراءة، مهما جهلنا كنهها وجوهرها؛ ومهما جعلها بعض الناس ترفا، أو موضة، أو استعراضا، فإنها في نهاية الأمر ستمنح نفسها وروحها وعمقها للذين يقدرونها ويسعدون بها ويفرحون ويحيون، ويعلمون بذوقهم الشفاف سر أسرارها.
تطالعنا حسابات وسائل التواصل، بشتى الأغلفة المهيأ ما حولها بأكواب القهوة والأيدي الممتدة، ونظارات القراءة الأنيقة المذهبة والصقيلة. من أسفار عريقة، إلى كتب الفلسفة والفكر، باتجاه الروايات المتوغلة في صميم توجهات القراء الدعائية والغريزية! إلى صرعات التنمية البشرية، التي اتسعت - جدا - في تأليفها الأقلام واستسهلت العقول معالجتها بكل استهتار وادعاء ودجل. لا شيء يبدو طبيعيا - غالبا؛ في عمق هذه المطالعات والتباهي المكشوف، نلمس توغل سياسات السوق والاقتصاد وفلسفة خط الإنتاج؛ والترويج والدعاية والإعلان، يقول الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) في خطاب نوبل عن الادعاء: إن حب الظهور دافع ذو قوة هائلة . [ .. ] «أنظر إليّ» هي واحدة من أكثر الرغبات الجوهرية للقلب البشري، والتي تأخذ أشكالا لا حصر لها، ابتداء من تعمد التهريج إلى السعي وراء الشهرة بعد الموت.
وهنا، نجد بعض أسباب وبصيص وغايات مشكلتنا ووسائل تفسيرها، من خلال ما طرحناه في بداية هذه المقالة، ولنتلمس من خلال مقولة (راسل)، بعض جوانب التحليل التقريبي الناجع لهذا الحال.
في دهاليز هذه العمليات والمطالعات الجمعية، من أمواج وهدير المتواصلين عبر التطبيقات الذكية، تبرز معضلة تحول التماهي القرائي النوعي والرصين، والتناول العميق للكتاب. لم نعد نفقه ما هي أسباب هذا الفوران الثقافي الذي يشبه نارا، بلا حرارة أو دخان تطلق طاقات الإبداع، في محركات العقل والإنسانية والمجتمعات والأفراد، لنرى لهذه الفورة نتاجا يحسم المسألة! ما نراه - حقا، هو تدني بل تساهل ساذج، لتناول تلك الأفكار المخبوءة في تصانيف وبين دفات الكتب؛ هل يعي القراء وجماهير المحتفين بالكتب بالكميات والأطوال والأوزان والأعداد الكثيرة من الإصدارات؟ أقول هل يعي هؤلاء مدى خطورة استسهال والاستخفاف بعمق الفكر والكتابة والكتاب وتجلياته المقدسة والعميقة؟ كيف يبدو تناول هذه المطالعات إن صدقت، بدون أدنى تأثير واضح وبالغ في مهجة ووجدان التلقي لدى هؤلاء المحتفين بشتى الأنواع والأعداد من الكتب؟
للأسف.. تستمر حالة الهذيان الفكري في الوعي الجمعي، والتلقي الثقافي؛ لا دلائل موثوقة على نتائج هذه الثورة القرائية، يبقى الحال في انحدار، نسبيا! لكن.. هل تمخضت هذه الصرعة الظاهرة عن لا شيء، سوى الملصقات والشعارات القرائية، التي تبهج النظر وتغشيه ببهرجة موجات الادعاء والتمثيل والمباهاة بالتقاط الصور، فقط؟
في ظني، أن الحركة المحمومة حول الكتاب والأغلفة والتمظهر بمظاهر القراءة الكثيفة على مستوى الكم، ما هي إلا عنوان بارز يصدق أن يقال عنه وفيه، عنوان إحدى مسرحيات شكسبير الشهيرة، ألا وهو : جعجعة بلا طحن! لكن! ويبدو أننا نكثر وسنكثر من (لكن) هذه! في معرض الحديث وتناول هذه الحالة بالتحليل.. أليس كل هذه الظواهر الدعائية الادعائية، قابلة أو قادرة على التأثير في فعل الكتابة نفسه؟ نعم، هذا ما ستؤول إليه المسألة في ظني، إذا ارتكزنا على موضوع هذه الظاهرة القرائية المزيفة (كما اتفقنا مسبقا) تجاه مفهوم وعمليات تشكيل الكتابة من خلال التأثير عليها، من جانب تلك الظاهرة الدعائية للقراءة، فإن عمليات الكتابة ستخسر كثيرا من ألقها وتمكنها، عبر اندفاع كثير من طالبي حصة من هذه (الكعكة) الدعائية التسويقية، وسيقوم هؤلاء الكتبة بالتزامن مع فورة (القراءة الإعلانية) كما أسميها وصفا للحالة السابقة الذكر، سيقوم الكتبة بتلبية رغبات المتسوقين المحتملين في سوق الكتب التي تخضع لتأثيرات ما يسمى : الموضة، في هذا الزمن الدعائي التجاري الكبير والضخم. سينشأ لنا كتبة حسب الطلب.. هم في الواقع تعبيرا عن ما يفرضه قانون العرض والطلب، الذي بات مؤخرا، يخيم على مناحٍ كثيرة في الحياة، ليس آخرها - طبعا، مجال الثقافة والفكر، عبر المفهوم العظيم الذي يطلق عليه (القراءة)، بمحاولة سحقه تحت آلة السوق والاقتصاد والمال والأعمال.
وهنا أختم بمقولة للقارئ الكبير، الكاتب الأرجنتيني (خورخي لويس بورخيس) الذي طالما تعمق في مفهوم القراءة، حتى بلغ به هذا الشأن أن يستصغر في موازاتها مفهوم (الكتابة) والإبداع، يقول: إنني أعتبر نفسي قارئا في الأساس، ولقد تجرأت كما تعلمون على الكتابة.
وهنا أقول قولا، في كلمات مختصرة بسيطة، أعجز عن إيضاحه وتفسيره وكشف خباياه أكثر، كما أفهمه وأتذوقه وأجده في وجداني الخاص، أقول: إن القراءة - يا أصدقاء - سر عميق ومدهش من أسرار هذا العالم، وما يجب حقا هو أن نستمر بالقراءة، والتعلم من القراءة، مهما جهلنا كنهها وجوهرها؛ ومهما جعلها بعض الناس ترفا، أو موضة، أو استعراضا، فإنها في نهاية الأمر ستمنح نفسها وروحها وعمقها للذين يقدرونها ويسعدون بها ويفرحون ويحيون، ويعلمون بذوقهم الشفاف سر أسرارها.