زيد الفضيل

الهامش والمتن في ذكرى الإسراء

السبت - 06 مارس 2021

Sat - 06 Mar 2021

بعد أيام تحل علينا ذكرى الإسراء والمعراج لنبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم، وتشير الحكاية إلى أن النبي قد أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو ما يجمع عليه المسلمون متنا، ثم عرج به إلى السماوات العلا، وهنا مكمن اختلافهم هامشا بين من يرى العروج روحا دون جسد، ومن يراه روحا وجسدا، مع الاختلاف أيضا في بعض تفاصيل العروج، على أنهم جميعا كانوا متفقين في النتيجة ومآلات الرحلة وهي المتن الجامع في تصوري.

وفي خضم كل اختلافهم لم يجر الحديث ولو من باب الكيد والتذاكي حول موقع الإسراء جغرافيا، وأنه كان إلى غير بيت المقدس المعروفة حاليا، ولم يخرج علينا أحد من أولئك القصاصين الذين ألفوا نقل الرواية التوراتية عن عبدالله بن سلام وكعب الأحبار ووهب بن منبه ليقولوا بأن الإسراء قد تم إلى غير ما نعرف حاليا، وإنه كان إلى اليمن مثلا كما أرهقنا بعض معاصرينا بادعائهم المخل، مع الإشارة إلى أن اثنين من محدثي اليهود السالفين كانوا من اليمن.

أسوق ما ذكرت لأجيب ببساطة المتلقي الواعي على كل من أرهقنا بأطروحاته من الباحثين المعاصرين ليدلل بأن موقع بني إسرائيل ما كان في فلسطين المحتلة اليوم، وإنما كان في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، مستدلا بتماثل أسماء الأماكن مع ما ورد في التوراة والنصوص اليهودية القديمة، والعجيب أن كل من يروج لذلك ويؤسس له هم من العرب إجمالا، وعديد منهم مسلمون، وليسوا من اليهود المعنيين بإثبات الأمر أو نفيه، وبالتالي تصحيح مكان وجودهم المعاصر.

كما لا يشغل هذا الأمر أروقة مراكز الدراسات اليهودية المعاصرة، ولم يكن ليشغل الباحثين اليهود قديما، والمهم أننا لم نسمع أي صوت ممانع من قبل حاخامات اليهود الكبار في اليمن يوقف رحلات بساط الريح على اعتبار أنهم سيغادرون أرضهم التاريخية، بل نجدهم أول من سافر إلى أرض الميعاد، وتركوا إرثهم التاريخي الذي يمتد لألفي عام على أقل تقدير.

في هذا السياق أشير إلى أن حربنا مع الكيان الصهيوني لن تقتصر على الجانب السياسي أو العسكري وحسب، بل ستمتد إلى التاريخ كمادة علمية يتم تزوير حيثياته وطمس معالمه القائمة، بما يتم حاليا من تدمير بشع لمختلف الشواهد الأثرية في منطقة الهلال الخصيب وغيرها من بلاد المشرق العربي، عبر أيدي طغمة إرهابية باغية كداعش وما يماثلها، تدعي زورا وبهتانا بأنها تدافع عن الإسلام، وهي في مكنونها تنفذ أجندة صهيونية، وتخدم هدفا يهوديا طالما حلموا بتحقيقه.

كما لا أستبعد أن وراء تلك النظرية التاريخية القاصرة منهجا ورؤية، التي تنص على أن الموطن الأصلي لبني إسرائيل ليس في فلسطين حاليا، وإنما في سلسلة جبال السروات جنوب غرب شبه الجزيرة العربية؛ عقلا يهوديا معاصرا، أراد إثارة اللغط الفكري، والتشويه الذهني بيننا، والعجيب أن نرى اليوم من أبناء جلدتنا من يتعصب لتلك النظرية البائسة، في الوقت الذي لا يكترث لها اليهود أنفسهم.

على أن الأمر لم يتوقف عند حدود ذلك، حيث عمل اليهود منذ فترة على زعزعة أحد أهم الثوابت التاريخية الدينية في ثقافتنا الإسلامية، وهو مكان وموقع المسجد الأقصى الذي أسري بخاتم الأنبياء والمرسلين إليه، وصار رمزا إسلاميا يحتفي به كل المسلمين عبر القرون وفي كل أصقاع الأرض، بل ومثل عقدة القضية الفلسطينية العربية الإسلامية خلال مختلف العقود السالفة.

في هذا الإطار يشير الباحث الإسرائيلي مردخاي كيدار أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة بر إيلان في ورقته بعنوان «مكانة القدس في الإسلام»، إلى أن مكان المسجد الأقصى المذكور في القرآن الكريم ليس في القدس الشريف، وإنما في موضع قريب من مكة يقال له «الجعرانة»، مستشهدا برواية الواقدي في مغازيه التي يقول فيها: «وانتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الجعرانة، فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج منها ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة ليلا، فأحرم من المسجد الأقصى الذي تحت الوادي بالعدوة القصوى».

وكم هو مؤسف أن نرى باحثين وكتابا منساقين بجهل وراء مقولته الساقطة متنا وهامشا.

أختم بيقيني من أن كثيرا منكم سيشهد بجهل ذلك الإسرائيلي، وعلى يقين أكثر من سهولة دحض حجته، وقد أشرت إلى ذلك في مقالي السابق الموسوم «بجهالة المتفذلكين»، غير أني أردت أن ألفت النظر إلى خطورة تهميشنا للتاريخ والأثر، حتى إن كثيرا من أبنائنا اليوم لا يعرفون أين تقع الجعرانة وما حكايتها في السيرة النبوية. والله المستعان.

zash113@