محمد أحمد بابا

قضية جمال خاشقجي رحمه الله مجددا

السبت - 27 فبراير 2021

Sat - 27 Feb 2021

هناك احتمال سياسي استخباراتي متعلق بما حدث لجمال خاشقجي رحمه الله داخل القنصلية السعودية في إسطنبول ليس ببعيد عن التفكير في كل الاتجاهات، وكلنا نعرف بأن المعلومات المضللة المحتملة من بعض التنفيذيين توقع دولا كبرى عالمية في الحرج منذ عرفنا السياسة، وتلكم نقطة يجب التعويل عليها أكثر.

فمن المنطقي جدا أن تعرض المعطيات على البدائل وتنظر الأفكار في فحص المخرجات، ولعل مواجهة السعودية لكثير من الأيادي الخفية أو المعلنة للإضرار بها - رغم صلابة ومتانة وأصالة سياستها - تحتم عليها مثل غيرها من الدول الكبرى العمل الاستخباراتي المهني المنظم للوقوف على أوضاع سعوديين ربما ينجرفون إغراء أو غواية لأعداء حقيقيين أو محتملين.

فالسبب الواضح وراء متابعة نشاط جمال خاشقجي رحمه الله خارجيا ربما يحتوي على كثير من المخاطر الاستخباراتية حرصا على توفر المعلومات وبناء المعطيات والانطباعات.

ولا يشك كثير من المراقبين في العالم في أن صناعة الاستخبارات المهنية في السعودية منذ عقود طويلة راسخة قوية جيدة في مجالها وهدوئها وحرفيتها ونجاعة أدائها.

لذلك فاستبعاد احتمالية تبييت النية السياسية للسيناريو الذي حصل مع جمال خاشقجي رحمه الله أمر أرجح من غيره لمن يحلل ما قبل الموضوع مع ما بعده ولا يقتصر على ذات الحدث وما تلاه من أمور.

وحتى نربط بين بيان النيابة العامة السعودية حيال الموضوع وبين احتمالية تبييت (الخيانة العظمى) من بعض أفراد كلفوا بمهمة مراقبة أو متابعة أو استدراج لأخذ معلومات وإقناع فإن خوارق خيانات هي طروحات تبقى قائمة في وجهة نظري.

فحين نقرأ الاستهداف الكبير والمعلن المبني على عداء وحقد ضد ولي العهد السعودي قبل هذا الموضوع نعرف بأن كثيرا من أذرع دول أو شخصيات بالوكالة عن دول لن تألو جهدا في استهداف مكانته لمّا عجزت عن تشويه صورته بالطريقة الإعلامية العالمية المعتادة.

فلربما استغل موضوع جمال خاشقجي رحمه الله رغم أنه قد يكون واحدا من موضوعات عديدة أكبر أو أصغر لدى الاستخبارات العامة لينحرف الراغبون بمساره نحو هذه الجريمة البشعة ثم يحدث ما حدث من توجيه الرأي العام لاستهداف ولي العهد لا غير.

في الدول الصغيرة والكبيرة تكتشف الخيانات وتستبق أحداث الخطط التحتية التي تُشترى لأجلها نفوس بعض من ذات البلد المستهدف وليس أحد - صغيرا أو كبيرا- بعيدا عن ذلك في سنة الأحداث الدولية.

ومن المستساغ أن يكون هناك علاقة بين جهة خارجية وبعض متنفذي مؤسسة الاستخبارات أبرموا خطة كهذه هدفها أن تظهر للعيان، لا أن تخفى، فكل الملابسات والأحداث تخبرنا بأنها جريمة - رغم فظاعتها وبشاعتها وسوئها حيال المجني عليه رحمه الله وحيال الإنسانية؛ فيها كثير من عدم احتياطات الستر وغياب ذكائيات التنفيذ، وكأنها حادثة للنشر والاستهلاك العالمي.

وما من شك بأن حرص دولة أو اثنتين تحالفتا لأهداف خاصة تخريبية أو عدائية على إثارة هذا بصورة تصعيدية غير حيادية؛ ما هو إلا دليل على أن وراء الأكمة ما وراءها، من تبييت ولو جزء بسيط من التحريض أو الفخوخ الاستخباراتية لإشانة السمعة في تهيئة ظروف سرية لأخطاء كهذه.

أما السعودية فسياستها الهادئة الحكيمة المتأنية حيال كل القضايا مثل جبال طويق، لا تهزها ريح الاستفزازات ولا يخرجها عن طورها إضرام الإشاعات في نار الشائعات، ومتأكد أنا كما هم كثير من منصفي هذا العالم بأن لدى مؤسسات الحل والربط والمعلومات في السعودية ما لو ظهر على السطح كله لقلب معادلة التجاذبات، وأخرس ألسنة المحاولات، لكنه ربما في كتمه والتأني والحرص فيه إيجابيات علاقات لا يعرف صيانتها إلا دولة مثل المملكة العربية السعودية.

وما الحراك من المحققة الأممية أو التحرك من مجلس النواب الأمريكي أو الأوروبي أو غيرهم إلا مغالطات ربما ترفع اللائمة عليهم لا على السعودية، لأنهم بنوا كل مخرجاتهم على معلومات تقصّدت دولة أخرى إظهارها بالشكل الذي يحقق لها هذه الضجة والجعجعة دونما تحقق، وحين يقال عن السعودية إنها لم تتعاون معهم في المعلومات، فذلك تدخل كبير مخالف لكل بروتوكولات ومواثيق الأمم المتحدة حتى تكتمل التحقيقات نيابة وقضاء، ومن ثم تعالج الأمور، فالمحافظة على الأمن الوطني والأسرار المهنية بعد اكتشافها يقطع الطريق على تفاقم أنشطة خلايا نائمة أو متأهبة وقانا الله شرها.

وكل ما ذكرته هنا هو وجهة نظري الخاصة حيال قراءة هذا الحدث منذ حدوثه، لا علاقة له بأية معلومات سوى ما نقرأه ونسمعه جميعا من تقرير استخباراتي أمريكي مليء باعتقادات وتكهنات لا تملك دليلا ولا تحقق نهج صحة في قضية حدثت وانتهت قضائيا وحقوقيا.

albabamohamad@