شاهر النهاري

سوريا تمرض ولا تموت

الخميس - 25 فبراير 2021

Thu - 25 Feb 2021

عرفت مدينة (إبلا) السورية الحضارة قبل حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، كواحدة من أقدم حضارات الشرق، قبل أن يتعاقب عليها المستعمرون المصريون والحيثيون والسومريون والميتانيون والآشوريون والبابليون والكنعانيون والفنيقيون والآراميون والأموريون والفرس والإغريق والرومان، ثم البيزنطيون حتى 637م حين استطاعت الجيوش الإسلامية دخول دمشق، وجعلها عاصمة للدولة الأموية، والعباسية من عاصمتهم بغداد 750م، ثم حضور المماليك، ثم العثمانيين 1516م، ليعقبهم الانتداب الفرنسي بعد سقوط الدولة العثمانية 1920م، ثم دخولها تحت الانتداب الفرنسي، وحتى إعلان استقلالها سنة 1946م.

ومرت سوريا بعدها بما يوجع القلب ويدمي العين من تعدد الثوار والثورات، وصدور البيانات الأولى مرات ومرات، حتى انقلب حافظ الأسد على آخر الانقلابيين، وحكمها بالنار والحديد والهيمنة المطلقة، من 1971م، لينال كل السلطات والمسميات والعظمة والمناصب حتى وفاته سنة 2000م.

وبعدها تولى حكمها ابنه بشار طبيب الأسنان، مؤكدا استمرار أوجاع الضروس القاتلة، حتى وقف الشعب السوري 2011م، محتجا على ما كانوا يعانونه من قمع للحريات وضيق وتخلف، وعيشة تقصر العمر، فاحترقت دمشق وما جاورها، وظل بشار على الرماد يتشبث بالوهم، ويسحق شعبه، يهجر الملايين بمعاضدة السباع والضباع الروسية، والتركية، والأمريكية، والأوروبية، والإيرانية، وجماعات إرهابية متعددة المذاهب والنزعات، وكل منهم يحلم بالهبرة الكبيرة.

إسرائيل لم تفوت الفرصة السانحة، فضربت وفجرت، وعدلت في المساحات، وأجبرت قوات إيران على البعد، حتى بعد أن سلمتها أمريكا هدية الجولان.

عشر سنوات حروب لم تبق من سوريا إلا بقعا بسيطة، يعاني أهلها الخوف والحروب والبراميل المتفجرة، وحروق الغازات الكيماوية، وتجارب الأسلحة العالمية المستحدثة، وتفريغ مخازن الأسلحة القديمة، وحرق البيئة، وبناء الملاجئ، وتكدس الجمعيات الإنسانية المغرضة ناهبة التراث، تجعل من سوريا شظايا صورة لا تلتحم، ولا تحلم بالهدوء والسلام.

البعض يحكي أن بشار لو لم يقترف الجرائم الإنسانية لما كان له زاوية يحكمها اليوم، والبعض يؤكد أنه سر هذه الفوضى، لإبقاء إرث أسرته العلوية، وحماية تل أبيب، والبعض يدرك أن عمليات التهجير وسيلة لغرس الفرس في بطن سوريا، وروسيا تضحك وهي تحكم سوريا بقواعدها وأسلحتها وجنودها ضمن معاهدات طويلة يتم تجديدها كل خمسين سنة، والبعض يؤكد عودة سوريا ولو بوضعها الناقص المريض للجامعة العربية، والبعض يدرك أن تركيا تحتل حدودها الشمالية وبأكثر مما يحكم بشار، والحرب على الأكراد تستمر، والبعض يبشر بأن سوريا، انتهت هذه المرة، وأنها لن تعود يوما لما كانت عليه، والبعض يتشبث باكيا بمقولة: أن سوريا تمرض ولكنها لا تموت.

العقل المخلص يُحمل بشار الذنب أغلبه، فلو شعر بقيمة سوريا وشعبها لما كتب بيديه روشتة تسميمها، وخلع أبناءها المخلصين بدون بنج، وهو الآن عاجز عن إعادة المهجرين إلى أملاكهم، بل إنه يتوعدهم بمحاسبة ومعتقلات، وخضوع لشبيحته الذين يمثلون سبب ثورة الشعب وهلاكه.

ليت بشار يعلم أنه سيرحل يوما بالغفلة، وستبقى سوريا، ومهما تعاقب عليها المحتلون والخونة وأثخنوا جراحها، وسرقوا حضاراتها، فسوريا حية لا تموت، ولا بد لها من نصر، ولأبنائها من عودة مهما كانوا لا يعجبونه، وليته يعود لرشده ولو متأخرا، فيمسح بعض غلطاته، ويطالب المحتلين بالرحيل، وأن يضع لأهل سوريا أساس تفاهم، وتكوين حكومة كفاءات يرحل بعدها، ويترك أرض الحضارات تلملم جراحها.

shaheralnahari@