عبدالحليم البراك

انهيار مصادر الأخبار

الاثنين - 22 فبراير 2021

Mon - 22 Feb 2021

رغم أن التطبيقات الحديثة فتحت الفرصة بشكل كبير كنوافذ جديدة لمعرفة الجديد، بعيدا عن مركزية مصادر الأخبار التقليدية، إلا أننا صرنا نعاني من إشكالية جديدة، وهي تطرف الناس في الإقبال على مصادر الأخبار الجديدة/ المحلية/ الشعبية الفردية، التي نطلق عليها مجازا «مصادر»، بينما هي ليست مصدرا، إلا أنها تعم على حساب المصادر التقليدية التي تحمل بعدا وثوقيا من جهة، ورسميا جدا من جهة أخرى، ولو قدر لنا الاختيار بينهما (وهذا غير ممكن طبعا) فإننا سنقع في شرك الانحياز لطرف، مما يعمينا عن أن ثمة حقيقة يحملها الطرف الآخر، إلا أن التساؤل هل يمكن أن نجمع بينهما؟

يمكننا أن نقول بأن الجمع بينهما هو الأفضل لكنه الأصعب، فالأول يطلعك على أحداث طبيعية وردة فعل الناس، إلا أن أبرز عيوبه أنه لا يحمل أي صفة رسمية أو صفة مسؤولية، ولا يحمل صفة العمل المؤسسي المسؤول، والثاني يحيطك بالأخبار الأكثر وثوقية ورسمية ويجعلك في قلب العالم الحقيقي، لكنه بطيء ورسمي واحترافي لدرجة السوء!

والناس أقبلت على الأفراد مصادر للأخبار والحدث (وهذه طبيعة البشر عموما الميل للجديد)، لكن لا بد من تطرف الناس مع الجديد فور قبوله، وإهمال الآخر، حتى يعي المشكلة ويعود لمرحلة التوازن وهو استحضار كلا الطرفين في ذهنه.

فالآن تكاد تغيب الأحداث العالمية في بحر تكاثف الأحداث المحلية القادم من محتوى الأفراد، وتبرز الأنشطة الشخصية على حساب الأنشطة الجماعية، وتكاد تغيب أحداث الدول (إلا الأحداث الكبيرة) عن ذاكرتنا اليومية، كما توجهنا اهتماما «الأكثر تداولا» ولو كان حادثة دهس قط في شارع ترابي بطريقة غريبة، على حساب رحيل مسؤول كبير، أو توتر على طرفي دولتين في أقصى آسيا أو أمريكا الجنوبية مثلا، وهنا تأتي أسئلة جدير أن تحضر في ذهننا:

هل هذا يغيبنا عن المشهد العالمي والرؤية الجمعية؟ وهل يمكن توجيهنا نحو توافه الأشياء على حساب أهم الأشياء؟ وكيف تغيب الصحيفة الرسمية والقناة الفضائية الأكثر مصداقية على حساب ثرثرة ناشط اجتماعي في برنامج «كلوب هاوس» مع مجموعة من أصدقائه أو «تويتر» أو «سناب شات»؟ وهل هذا التطرف سيخسرنا الفهم الكلي لمجريات الحياة والأحداث على حساب احتفائنا بالمناسبات الصغيرة لمشاهير برامج التواصل الاجتماعي؟ وهل ثمة تسطيح للمتلقي؟

هل فشلت تلك القنوات العالمية والرسمية في خلق الإثارة للجيل الجديد أم إن تغيبها عن الواجهة بقصد ألا يهتم العالم أصلا بما يجب أن يهتم به، فيتم تكريس الغياب بالتغييب أم إنها سنة الحياة هكذا؟ وهل على تلك القنوات أن تخلق أجواءها الأكثر جاذبية للناس من خلال إعادة بناء حضورها الجديد؟

هذه الأسئلة يجب أن يجاب عنها، ليس من إعلاميين فحسب، بل من مفكرين وفلاسفة وكذلك علماء اجتماع وسياسة أيضا، لأنها تشكل الوعي وتشكل آلية الغياب الذهني والفكري للناس والمثقفين والمهتمين، ووجود رؤية لدى صانعي الإعلام مهم جدا حتى لا نخلق مناحة مغلقة على ذواتنا دون أن نقدم حلولا «شبابية» «عصرية» تحل هذه الأزمة، هذا إن اعترفنا أصلا بوجود هذه الأزمة!

Halemalbaarrak@