السينما السعودية، البداية أم العودة؟
الأحد - 21 فبراير 2021
Sun - 21 Feb 2021
لو قلنا أن السينما السعودية تكتشف الصناعة من جديد فإننا بلا شك نهمل البناء و الإرث الذي تركوه لنا الرواد.
إن علاقة السينما السعودية بالصناعة لا طالما كانت مستمرة، متقطعة نعم، لكن مستمرة و غير عادية، بدأت مع دخول دور العرض إلى مجتمعات أرامكو السعودية في ثلاثينيات القرن العشرين ثم مع محاولات الراحل حسن الغانم، الذي تعده السينما السعودية الأول على "الروّاف" في مفارقة جميلة يخبأها لنا التاريخ، و مروراً برحلة سعد الفريح و عبد الله المحيسن و سعد خضر و غيرهم في وضع السينما السعودية على الخارطة العالمية، شواهدٌ يجدر بمن يأبى عن التاريخ أن يرى يقيناً السينما السعودية و هي لا تبدأ الآن، إنما تلبس ثوبها الجديد.
دور العرض السينمائية عزيزي يا من تقرأُ مقسماً شغفك، عادت إلى الظهور في المملكة العربية السعودية بعد أكثر من ثلاثة عقود من التوقف، فيها حصد السينمائيون السعوديون على جائزة نفرتيتي الفضية عن "اغتيال مدينة" و الذهبية، و مفتاح مدينة نانت الفرنسية عن "ظلال الصمت" للمحيسن، بالإضافة إلى ثلاثة جوائز عالمية في مهرجان البندقية و مسقط ثم تواجدوا في برلين وصولاً إلى ما قبل القائمة النهائية لترشيحات الأوسكار. تلك دعوة للتأمل في علاقة الصنّاع السعوديين بالسينما المبنية على التطفّل في الأصل.
لعلّي كتبت قرابة المائتي كلمة السابقة لأجد مدخلاً للقول بأن ما ينادي به الدخلاء على هذا الفن العظيم لاستحداث الصناعة السينمائية وفق قيود معينة، إنما هو قتل للإبداع، و برأيي أن يتخلى أعضاء الحركة الجديدة عن هذه القيود و الآراء التي قد لا تريدها السينما الحديثة على الإطلاق، أهم تلك القيود هو "حصر القصة". الفيلم السينمائي هو القصة بشكل من الأشكال، و لأن المشاهد السعودي كان في مرحلة ما و لا يزال يفتقد إلى فيلم يحرضه على ممارسة حقه المشروع في التوقع و اختبار السينمائي الصغير بداخله، ستكون مهمة الصنّاع و المؤلفين في مقدمتهم أن يجعلوا من هذا القيد عامل تغيير و اختلاف، تنطلق منه رؤية أصلية أكثر من كونها جديدة، رؤية تخاطب فيها السينما العقول، أصلية تستند فيها إلى الموروث لا ترفضه و لا تنسلخ منه، إنما تستحدثه و تبني عليه توجهات هذه الحركة كي يكفل بها التاريخ.
في أحد لقاءات نادي الكتاب الثقافي التي جمعت الرواية بالسينما، جرى على لسان أحد النقاد حديثاً حول نقل الرواية إلى السينما حين ذكر أن السينما الغربية استغرقت سنوات طويلة حتى جاؤوا بمن يخرج إحدى الروايات العظيمة التي لا طالما استعصت على الصناع، ثم في حين آخر أجاب على سؤال اللقاء الجوهري (هل بإمكان المعنيين بأمر السينما الآن أن ينجحوا في تحويل الرواية السعودية إلى عمل سينمائي؟) و قال بما معناه "السينما السعودية يستحيل عليها أن تنقل الرواية في ظل عدم وجود صناعة حقيقية، لا يوجد لدينا مخرجين و كتاب أكفّاء يصلون إلى العمق الكافي لاستيعاب الرواية". أن لا ينجح الغرب "الصنايعية" في نقل الرواية أمر لم تستنكره، و لكنك تشكك بعدها في قدرة السعوديين "الناشئيين" على استيعاب الرواية و نقلها إلى السينما. أقول: فقط، لصدق بعض ما ذكرت لا يخولك أن تخوض بمبدأ الشمولية هذا، و إن جدلية الرواية و السينما شأنٌ يا صديقي يتعلق بالمؤلف السعودي- كاتب السيناريو-المخرج المؤلف و ذلك مأخذنا عليهم و عليك، مجتمعين، كونك أحدهم.
مع توفر موارد الصناعة و الموارد المعرفية الآن، لا أتخيل الصعوبة في صنع الأفلام، و لا يمكن لأي صانع مهما بلغ أهميته أن يقنعني بعكس ذلك. النقص الذي يحاجج به البعض في الصناعة كفيلٌ بالبحث أن يغطيه، و ندرة الكتّاب توازيها ثقافة المخرجين. المجتمع السعودي مليء بالمفاجآت و المفارقات العجيبة. و حتى البارحة و أنا ما زلت استمع إلى أحاديث بعض الكوادر الحاصلين على مؤهلات في الصناعة بالخارج، يستهل أحدهم بمديح تستحقه وزارة الثقافة و ينتهي آخرهم بكلمات يشدد فيها على ضرورة الأخذ بيد الصناعة، لاكتشاف السينما من جديد!
@A_LazyWriter
إن علاقة السينما السعودية بالصناعة لا طالما كانت مستمرة، متقطعة نعم، لكن مستمرة و غير عادية، بدأت مع دخول دور العرض إلى مجتمعات أرامكو السعودية في ثلاثينيات القرن العشرين ثم مع محاولات الراحل حسن الغانم، الذي تعده السينما السعودية الأول على "الروّاف" في مفارقة جميلة يخبأها لنا التاريخ، و مروراً برحلة سعد الفريح و عبد الله المحيسن و سعد خضر و غيرهم في وضع السينما السعودية على الخارطة العالمية، شواهدٌ يجدر بمن يأبى عن التاريخ أن يرى يقيناً السينما السعودية و هي لا تبدأ الآن، إنما تلبس ثوبها الجديد.
دور العرض السينمائية عزيزي يا من تقرأُ مقسماً شغفك، عادت إلى الظهور في المملكة العربية السعودية بعد أكثر من ثلاثة عقود من التوقف، فيها حصد السينمائيون السعوديون على جائزة نفرتيتي الفضية عن "اغتيال مدينة" و الذهبية، و مفتاح مدينة نانت الفرنسية عن "ظلال الصمت" للمحيسن، بالإضافة إلى ثلاثة جوائز عالمية في مهرجان البندقية و مسقط ثم تواجدوا في برلين وصولاً إلى ما قبل القائمة النهائية لترشيحات الأوسكار. تلك دعوة للتأمل في علاقة الصنّاع السعوديين بالسينما المبنية على التطفّل في الأصل.
لعلّي كتبت قرابة المائتي كلمة السابقة لأجد مدخلاً للقول بأن ما ينادي به الدخلاء على هذا الفن العظيم لاستحداث الصناعة السينمائية وفق قيود معينة، إنما هو قتل للإبداع، و برأيي أن يتخلى أعضاء الحركة الجديدة عن هذه القيود و الآراء التي قد لا تريدها السينما الحديثة على الإطلاق، أهم تلك القيود هو "حصر القصة". الفيلم السينمائي هو القصة بشكل من الأشكال، و لأن المشاهد السعودي كان في مرحلة ما و لا يزال يفتقد إلى فيلم يحرضه على ممارسة حقه المشروع في التوقع و اختبار السينمائي الصغير بداخله، ستكون مهمة الصنّاع و المؤلفين في مقدمتهم أن يجعلوا من هذا القيد عامل تغيير و اختلاف، تنطلق منه رؤية أصلية أكثر من كونها جديدة، رؤية تخاطب فيها السينما العقول، أصلية تستند فيها إلى الموروث لا ترفضه و لا تنسلخ منه، إنما تستحدثه و تبني عليه توجهات هذه الحركة كي يكفل بها التاريخ.
في أحد لقاءات نادي الكتاب الثقافي التي جمعت الرواية بالسينما، جرى على لسان أحد النقاد حديثاً حول نقل الرواية إلى السينما حين ذكر أن السينما الغربية استغرقت سنوات طويلة حتى جاؤوا بمن يخرج إحدى الروايات العظيمة التي لا طالما استعصت على الصناع، ثم في حين آخر أجاب على سؤال اللقاء الجوهري (هل بإمكان المعنيين بأمر السينما الآن أن ينجحوا في تحويل الرواية السعودية إلى عمل سينمائي؟) و قال بما معناه "السينما السعودية يستحيل عليها أن تنقل الرواية في ظل عدم وجود صناعة حقيقية، لا يوجد لدينا مخرجين و كتاب أكفّاء يصلون إلى العمق الكافي لاستيعاب الرواية". أن لا ينجح الغرب "الصنايعية" في نقل الرواية أمر لم تستنكره، و لكنك تشكك بعدها في قدرة السعوديين "الناشئيين" على استيعاب الرواية و نقلها إلى السينما. أقول: فقط، لصدق بعض ما ذكرت لا يخولك أن تخوض بمبدأ الشمولية هذا، و إن جدلية الرواية و السينما شأنٌ يا صديقي يتعلق بالمؤلف السعودي- كاتب السيناريو-المخرج المؤلف و ذلك مأخذنا عليهم و عليك، مجتمعين، كونك أحدهم.
مع توفر موارد الصناعة و الموارد المعرفية الآن، لا أتخيل الصعوبة في صنع الأفلام، و لا يمكن لأي صانع مهما بلغ أهميته أن يقنعني بعكس ذلك. النقص الذي يحاجج به البعض في الصناعة كفيلٌ بالبحث أن يغطيه، و ندرة الكتّاب توازيها ثقافة المخرجين. المجتمع السعودي مليء بالمفاجآت و المفارقات العجيبة. و حتى البارحة و أنا ما زلت استمع إلى أحاديث بعض الكوادر الحاصلين على مؤهلات في الصناعة بالخارج، يستهل أحدهم بمديح تستحقه وزارة الثقافة و ينتهي آخرهم بكلمات يشدد فيها على ضرورة الأخذ بيد الصناعة، لاكتشاف السينما من جديد!
@A_LazyWriter