بندر الزهراني

استروا ما واجهتم معشر النقّاد!

الاحد - 21 فبراير 2021

Sun - 21 Feb 2021

غياب وزارة التعليم عن المشاهد الأكاديمية في كثير من الحالات أصبح حقيقة ملموسة، لا ينكرها أحد، على الرغم من حضورها الإعلامي ذي الطابع الرسمي، وإن كنا نحن المراقبين لنا الظاهر من الأعمال وما خفي يعلمه الله، إلا أن الوزارة تبدو منشغلة أو متشاغلة بالدور المعنوي أكثر منه بدورها الفعلي، خاصة فيما يتعلق بالجامعات والبحث العلمي، وسأضرب لكم أمثلة حية ربما نختلف أو نتفق في نقاش أدق تفاصيلها، لكننا جميعا نشترك في نوعية التساؤلات التي نحملها في أنفسنا حول الدور الوزاري المفصلي الذي يجب أن يكون حاضرا وحاسما.

كتبت مقالا عن وضع الهيئات الاستشارية الدولية في الجامعات المحلية، وعلى أنني كنت واضحا أكثر من الوضوح نفسه في تناول موضوعها وتسليط الضوء على انحراف عملها، وكنت أتوقع تحركا سريعا من الوزارة نحو إيقافها والتحقيق في سير عملها وتقييم مخرجاتها، إلا أن التحرك جاء معاكسا وسريعا من رئيس إحدى الجامعات المعنية بالمقال، فبدل أن يسترشد بما قلناه وينتفع به أو يرده علينا بالوقائع والنتائج؛ قام بتجديد عمل أمين الهيئة واتخذه مستشارا له!

وكتبت مقالا عن إشكالية التضخم الإداري في الجامعات، وقلت إن ما يحدث في جامعاتنا هو استهلاك سلبي للطاقات البشرية وإسراف في الموارد المالية، وتوقعت أن تصدر الوزارة قرارات حاسمة تحد بها من الوظائف الشكلية والترفيه وتعيد الجامعات إلى جادة العمل الصحيح، إلا أن ما حدث هو العكس أيضا، حيث توالت قرارات رؤساء الجامعات بتعيين مستشارين لهم ولوكلائهم ولبعض عمداء الكليات والمعاهد، ومؤخرا خرجوا علينا بتعيين أعضاء هيئة التدريس في وظيفة مشرف أو مدير عام لمكتب رئيس الجامعة!

لن تجدوا في كل جامعات العالم جامعة لها رئيس وسبعة وكلاء أو كلية لها عميد وأربعة وكلاء إلا في جامعاتنا، ولن تجدوا فيها نائبا للرئيس أو وكيلا له وله ما لا يقل عن سبعة مستشارين إلا في جامعاتنا، ولن تجدوا عميدا لشؤون الطلاب وله تسعة عشر وكيلا إلا في جامعاتنا، ولن تجدوا عميدا لكلية يتمتع بعضوية ومزايا عشرين لجنة دائمة إلا عندنا، أليس هذا كفرا بنعمة ما نحن فيه وسوءا في التخطيط! إن لم يكن كفرا وليس بعد الكفر ذنب فماذا يمكن أن نسميه!

وكتبت أكثر من مقال عن خرافة التصنيف وأحلام العصافير، وعن باحثين تجاوزت أعداد أبحاثهم الألفي بحث في بضع سنين، وكنت أتوقع أن تتدخل الوزارة على الأقل لتقول: يا معشر النقاد «سامحونا واستروا ما واجهتم» ثم تبدأ عملا احترافيا يزيح هؤلاء الميديوقراطيين عن الساحة الأكاديمية، ولكن ما حدث هو على النقيض تماما، فكانت الوزارة عبر حساباتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي هي أول من شارك الجامعات أفراح التصنيف، وصدّقت عن حسن نية أن بعض الأقسام العلمية في جامعاتنا هي الأفضل تطورا وتقدما من معاهد أمريكية ذائعة الصيت كمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أو جامعة برينستون! وصدّقت أن بعض الباحثين المحليين باتوا على بعد «حذفة حصا» من حصد جائزة نوبل في الكيمياء أو ميدالية فيلدز في الرياضيات!

ثم كتبت مقالا عن الجامعات الناشئة وخطورة تبنّيها لبرامج أكاديمية أو أنشطة بحثية متقدمة وهي لا تملك أدوات المنافسة أو مسببات النجاح فضلا عن أنها ما تزال في طور التنشئة والتكوين، وبدل أن تراجع الوزارة برامج هذه الجامعات وتقلل منها أو تفرض عليها رقابة صارمة تفاجئنا الإدارة العليا لإحدى الجامعات الناشئة بقرارها اعتماد اللغة الصينية لغة ثانية للتدريس والبحث العلمي، وهذه إحدى طوام الإدارات الأكاديمية الناشئة، أو كما يقول المثل الشعبي: ليت أبو صابر بحمله يقوم!

كنت إلى وقت قريب أظن أن في الوزارة جهة تُكلف بمتابعة كل ما يطرحه كتّاب الرأي من قضايا أو وجهات نظر تخص الشأن التعليمي، ثم ترفعها للوزير للنظر فيها والاستئناس بها، فما الإعلام إلا مرآة للواقع ونبض للشارع، وقد تكون هذه الظنون الإيجابية التي تساورني أو شيء منها موجودة في أدبيات الوزارة، ولكنها معطلة أو لا تظهر بالقدر الكافي في ردات أفعالها.

drbmaz@