فهد عبدالله

المفاهيم الحياتية العميقة

الاحد - 21 فبراير 2021

Sun - 21 Feb 2021

هناك أمور دائمة الوجود ولا يمكن لها أن تستثني أحدا، وقد تختلف في شكلها الوجودي من شخص إلى آخر كالمشاكل والأفراح والآلام وتقلبات الحياة المختلفة، وبالتأكيد سيكون الحال مختلفا في التفاعل معها بين من يتعامل معها بردود الأفعال المباشرة المبالغ فيها وبين من وطن نفسه على تلك التقلبات المختلفة على أنها جزء لا بد له من الحدوث، فعندها ستظهر هذه القناعات ونتائج الممارسات المتعددة من خلال اعتدال قراءات الأحداث وردود الفعل تجاهها. والوعي بمفهوم التهيئة المسبقة للأحداث والاتزان بعد ذلك في ردود الفعل لا يمكن له أن يستقر في الوعي والإنسان في حالة لهاث وتعلق شديدة مثلا بالمال أو السلطة أو الشهرة وغيرها من الغرائز الدفينة لأن حالة التعلق الشديدة أعتقد أنها تعمل بمثابة ذلك الحجاب الذي يفصل الذات عن استقرار المفاهيم الحياتية العميقة.

قد تأتي ملاحظة أن تلك الغرائز الدفينة موجودة في بني البشر ولا يخلو إنسان منها، نعم هذا صحيح، ولكن شدة اللهاث تجاهها والقرب المتواصل مع أحدها قد يكون تلك الألفة الصانعة للحجاب التي لربما يصعب كسرها مع الزمن إلا بتوفيق الله إلى ذلك، والأهم من ذلك كله ألا تكون الأيام المتتالية والأحداث المتراكمة والمشاكل التي تعيد نفسها في الأثواب المتعددة والتجارب المختلفة أن تحجب عنا إجابات أعظم الأسئلة التي قد تحصل في حياة الإنسان: من أنا؟ وما هي الإحداثيات التي أقف عليها؟ وإلى أين التوجه والمبتغى؟

حتى نظرتنا لهذه الأمور الإنسانية المتداخلة أعتقد أننا لا نصل فيها لكلمة سواء تجمعنا في التفاصيل، لأنها ليست كتلك الأمور مثلا في عالم المعادلات الرياضية والعلوم التجريبية التي تتسم بحدة الوضوح، ولكن في الأمور الإجمالية إن لم يصل لها العقل والوعي من خلال المعلومة أو التأمل والتفكر فستكون التجارب والأحداث الحياتية كفيلة بأن تجعل الإنسان يقف يوما ما على مشارف هذه الحيثيات ولو بعد حين.

ويقينا بأن هذه الأبعاد في الأمور الإنسانية المتداخلة ستقف على حالتها راكدة بدون تجديد وإضافة لدى الإنسان بسبب تلك الغمامة التي كونتها الغرائز المتعطشة والتي حجبت نور الأسئلة الوجودية العظمى لديه فضلا عن مفهوم التهيئة المسبقة للأحداث في مكونات الوعي. ويمكنك تأمل ذلك من خلال التقييم المبدئي للمشاهد المتعددة في حالات علاقات الناس وارتباطها بالمصالح المادية أو الانشغالات الضخمة في البحث المطرد خلف اللذات مثلا، وأن جزءا كبيرا من الحياة اليومية ينصرف عملا وتفكيرا تجاهها، والتي قد نقع فيها جميعا، وتؤكد تلك الفكرة الكبيرة حجب الوعي عن المفاهيم الحياتية العميقة.

اللهاث الدائم خلف الأشياء يخلف وراءه قسوة، وأعظم مظاهر تلك القسوة المجهولة كما وكيفا هي خسارة حجب الوعي عن تلك المفاهيم الحياتية العميقة، المعضلة هنا في الأغلب لمن لديه لهاث شديد تجاه الأشياء بأنه لا يعرف ما هي المشكلة، فضلا عن الحلول، ولا يعرف حجم الخسارة الكبيرة بعدم معرفة المشكلة والحل.

والحل الناجع بالتأكيد يبدأ بمعرفة المشكلة أولا وطبيعتها والاقتناع بأنها في الأساس مشكلة، مجرد وجود هذه الخطوة العظمى أعتقد بأنه يجعل من الزمن كفيلا بتقريب الإنسان من الحلول المناسبة ومعرفة إجابات الأسئلة الكبرى والتهيئة المسبقة لأحداث الحياة المختلفة.

fahdabdullahz@