عبدالله العولقي

التكنولوجيا والقوة الناعمة

الخميس - 18 فبراير 2021

Thu - 18 Feb 2021

كثر الحديث في الصحافة العربية عن تراجع مؤشرات القوة الناعمة لدى بعض دول المنطقة كمصر وسوريا والعراق ولبنان واليمن، ولا شك أن عواقب ونتائج مآسي الربيع العربي كان لها أبرز الأثر في ذلك التراجع، لكن هناك حديثا آخر يتعلق بالتكنولوجيا وأثرها الفعال في مؤشرات القوة الناعمة، فالأعمال السينمائية المصرية مثلا لم تعد محط أنظار الشعوب العربية مثلما كانت في العقود السابقة، فقد أتاحت التكنولوجيا عبر منصاتها المفتوحة آفاقا من الإبداعات السينمائية لثقافات أخرى مثل كوريا الجنوبية وأسبانيا والأرجنتين، وهذا التغير كان له أبرز الأثر في إزاحة القاهرة عن عرشها السينمائي لدى المتابعين والمشاهدين العرب.

يقول الكاتب عاطف السعداوي «إن القوة الناعمة في مصر قد فقدت جاذبيتها السابقة، وإن القاهرة قد توقفت بالفعل عن توليد قوى ناعمة جديدة، فالأنموذج السينمائي المصري قد تراجع كثيرا في نظر المشاهد العربي في ظل ما قد أتاحته التكنولوجيا من انفتاح عالمي، ونشر مفتوح لنماذج إبداعية منافسة أخرى».

بعد اقتحام مناصرو الرئيس السابق ترمب لأروقة الكونجرس وعبثهم التخريبي بمقتنياته التاريخية، اهتزت معالم القوة الناعمة الأمريكية لدى شعوب العالم، وتحديدا قوة (الديمقراطية)، ذلك السلاح الإعلامي الذي طالما منحته الدبلوماسية الخارجية لواشنطن أبعادا في تحقيق مآربها دون انتهاج العنف أو القوة العسكرية، لكن التكنولوجيا التي تكتنزها الولايات المتحدة في وادي السليكون هي من نقلت الصورة الأخرى عن حقيقة الديمقراطية، وكشفت الغطاء عن سلاح القوة الناعمة.

بعض الدراسات الاجتماعية تنذر عن مخاطر تنامي التكنولوجيا بهذه السرعة المخيفة، وتؤكد أن إصرار الإنسان وتنافسه العنيد على سلاح التكنولوجيا قد يفضي به إلى أمور وأحداث قد تخرجه عن دائرة السيطرة والتحكم مثلما هو الحال في تقنيات الهندسة الوراثية، والذكاء الاصطناعي، يقول الفيلسوف الشهير هايدجر «التكنولوجيا هي ورطة بشرية وأزمة كبرى، ويحذرنا من التدخل الإرادي؛ لأن إرادة الإنسان تزيد الأمور تعقيدا؛ لأننا في النهاية سنضطر إلى حل مشاكل التكنولوجيا بالتكنولوجيا نفسها.

رغم حداثة مصطلح القوة الناعمة إلا أنه شهد تغييرا جوهريا في المفهوم خلال السنوات الخمس الأخيرة استنادا إلى تعملق شركات التكنولوجيا وتعاظم سياساتها ومسؤولياتها المتنوعة، بالإضافة إلى بروز مؤشرات جديدة كمؤشر القوة الناعمة 30، وهو مؤشر سنوي طوَره مركز الدبلوماسية العامة CPD في عام 2015م، فقوة الدولة الناعمة ليست فقط فيما تملكه من أدوات ثقافية وفنية وإعلامية كما هو التصور الشائع، بل هو أيضا انعكاس للقوة الشاملة للدولة بأبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتكنولوجية.

وأخيرا.. لا شك أن التكنولوجيا هي إحدى أهم أسلحة القوة الناعمة للدول، ولكن المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية تبرز حول أهمية (أنسنة) هذا السلاح الناعم حتى لا تخرج الأمور عن سيطرة الإنسان وإرادته، فالتكنولوجيا المتصاعدة قد وفرت اليوم فضاءات واسعة في مجال الإعلام والتواصل الاجتماعي، وهي تستعمل أدوات الذكاء الاصطناعي بشراهة لا محدودة في سبيل الإقناع والتأثير، فهي تتعدى الحدود الجغرافية، لتصل إلى المجتمعات البعيدة كي تمرر رسالتها الإعلامية، وتمارس تنمرها الثقافي وتؤثر بقوتها الناعمة.

ALBAKRY1814@