شاهر النهاري

أحلام الإمبراطورية الإردوغانية

الخميس - 18 فبراير 2021

Thu - 18 Feb 2021

برعاية أرواح سلاطين الدولة العثمانية، ترعرعت أحلام حفيدهم إردوغان، والذي قرر أن يعيد لهم وجودهم وهيمنتهم القديمة، وأن يستعيد نير سلطانهم، وصولجان هيبتهم، على أجساد ثلاث قارات.

إردوغان لم يكن يحلم فقط، ولكنه ظل يخطط ويعمل طوال حياته، حتى نال السلطة في حزبه، ثم ترأس دولة تركيا، لينتهج رحلة من السياسة اللزجة، وسط بلد يتمتع بالخيرات والموقع الجغرافي والشعب العظيم، مبتدئا بتقارب مع الاتحاد الأوروبي سياسيا، ومغازلة حلف الناتو، وهو يضبط علاقاته مع دولة فارس، عدوة خلافته القديمة، وفي نفس الوقت يمتلك علاقات قوية مع أغلب الدول العربية، ممن كانت دولته القديمة تحتل ديارهم وتمتص خيراتهم، وتحكمهم بتهميش وسخرة وتعنت ومنع الحريات والتنمية والتعليم، والعلاج وحلم الاستقلال عنهم.

وكل تلك الأهداف لا يمكن أن تتم دون عالم من الحيل والأقنعة، خصوصا في حضرة الدولة العظمى أمريكا، وقرينتها اللدودة روسيا القيصرية، ووجود دولة إسرائيل، المزروعة في قلب الشرق، مما يزيد عليه صعوبة التماهي، والوقوف خصما لهم مجتمعين.

واختار خطة ذكية خبيثة مخدرة، فهو سيسير مع كل جهة بما تراه مرضيا لها من الخارج، ولكنه سيعمق الحُفر، ويبني السراديب، ويجعل الجميع ينخدعون بسلامة نواياه.

داخليا قرر النيل من قادة وإعلام الأحزاب المعارضة لتوجهاته، فأتى بحيلة الانقلاب المزعوم 2016م، ليتخلص من المعطلين لمشاريعه، حتى امتلأت سجونه بهم، وخصوصا بعد فشل حزبه الإخواني في الفوز بانتخابات البرلمان الأخيرة، التي أعادها لتفشل مرة أخرى.

عانق إسرائيل وفتح لها الأبواب السياسية، والتجارية، والسياحية، ليبطل أي خطورة لها على طموحاته.

تمكن من دخول أغلب الدول العربية، من خلال أحزاب الإخوان والإسلام السياسي، الذي كان يعول عليهم، ويدعمهم، ويستغلهم في تنفيذ أجنداته بعد وصولهم لمراكز صنع القرار في دولهم وسياساتها الداخلية، ليكمل أحلامهم معه بعباءة الخلافة الإسلامية وسيلة.

دخل الحرب في العراق، وسوريا، وصنع بيديه أصناف الإرهابيين الممنهجين، وتمكن من تجنيد مرتزقة المهاجرين، ليلتحقوا بالجاليات التركية في جميع دول الغرب، يشترون المساجد والمدارس، التي تمكن فيها من تغيير المناهج، وتخريج دفعات من الإرهابيين المسلمين، متحايلا على ديمقراطية تلك البلدان، الساذجة، فأصبح المهاجرون سلاحا في يده يشهره كيفما شاء، بشعارات حرية وديمقراطية ونزاهة دينية ومذهبية زائفة، ولمزيد من التمويه طبق حقوق الإنسان المستغربة المستهجنة على أرضه، ليتفادى انتقادات منظمات الحقوق الإنسانية، بتناقض بين صور الإسلام، وواقع الانسلاخ.

أرسل قواته مطعمة بالمرتزقة إلى البلدان القريبة، فلم تسلم منه أراضي الكرد، وليبيا وسوريا والعراق والسودان واليمن ولا مياه البحر الأحمر، ولا قطر في فرصة أزمتها، بل إنه أعلن عما يرسمه في خياله لخريطة إمبراطوريته الجديدة المزعومة في أوروبا، وبادر بمهادنة روسيا للاستفادة من منعتها، واشترى أسلحتها الحديثة، مع إصراره على مطالبة أمريكا بإمداده بالسلاح الأمريكي. ويستخف بحلف الناتو فيتعدى على مياه البحر الأبيض المتوسط، ودولتي قبرص واليونان، وينقب عن البترول في مياههما الإقليمية، وكأن عوالم الجنون لا تنتهي في مخيلته.

وينشر نائب سابق بالبرلمان التركي عن حزب (العدالة والتنمية) الحاكم، خريطة لـ(تركيا الكبرى)، تعود إلى عهد السلاجقة، وانتصارهم على الإمبراطورية البيزنطية في معركة (ملاذ كرد) 1071م، احتفالا بذكراها، فلا يغضب النظام العالمي، ولا يتحرك ضده إلا بعض الدول الأوروبية المنفردة، متناسين أن حالته تحتاج للحجر، ليس من كورونا فقط!

shaheralnahari@