محمد الأحمدي

سر بائع الصحف والدكتوراه الفخرية

الثلاثاء - 16 فبراير 2021

Tue - 16 Feb 2021

في هذا المقال الذي يعد استكمالا لسلسلة مقالات القواعد الذهبية للباحث الأكاديمي في الدراسات العليا، وما بعدها من مرحلة أكاديمية، أكتب هذه القاعدة وأنا أتصبر لأن تصل إليك فتدفعك لأن تحقق حلمك النبيل، وتصنع مستقبلك المشرق، وتضيء حياة منتظريك بما تحمله من علم، يرقى بأمتك، ويعتلي بوطنك في قمة المجد.

أروي لك قصة تدور تفاصيلها حول فتى رسب في الثانوية العامة، محكوم عليه بالفشل الدراسي، أدى به ذلك الشعور إلى الهجرة من المكان ليبحث عن انتصار جديد في بلد جديد. ولم يعتقد بأنه سيكون أيقونه للنجاح يوما من الأيام. هذا الفتى اليافع الذي لم يحقق شهادة الثانوية بنجاح أتته خمس شهادات دكتوراه فخرية دون الجلوس على مقاعد الدراسة.

تجرع الشاب ثمرة الفشل المبكر، فأكل من مخلفات الأطعمة، وعمل غاسلا للصحون مقابل وجبة يومية تسد رمقه. صارع من أجل البقاء حيث وقف في شوارع النمسا ليبيع الصحف التي لا تتطلب منه إتقان اللغة الألمانية للتواصل مع جمهور الصحف، سوى الصياح بأسماء الصحف وثمنها كعادة أوروبية.

رغم قسوة الحياة عليه إلا أنه يحتفل مع نفسه كل يوم أحد في بوفية صغيرة على طبق من البطاطس مع الكاتشب، وكأس من الشاهي والسكر. العجيب في هذا الاحتفال غير المكلف، أنه يراقب الطاولة ذات العبوات الممتلئة من الكاتشب والسكر، ليجلس عليها بغية أن ينال أكبر نصيب منهما، لأنها حصته الوحيدة في الأسبوع.

رفعت سفارة بلده عنه بأنّه غير قادر على الاستمرار في هذا البلد بهذه الحالة، ولذا يجب إعادته إلى وطنه، إلا أنه فضَّل البقاء على حاله، فاستجارته برمضاء الجوع في كوبنهاجن خير له من لهب نار الفشل في بلده.

لكن الدنيا متقلبة، وفضل الله كبير. تتحول حياته المريرة من غاسل الصحون إلى مالك سلسلة فنادق في كوبنهاجن بالدنمارك نتيجة للعمل المستمر، والصبر الدائم. وها هي تتسابق عليه الصحف التي جهل محتوياتها ذات يوم ليتصدر صفحاتها الأولى، وكأن قدره أن يكون صديقا لها في حالتي الفقر والغنى، تعتلي معه الكاميرا قمم الفنادق لتلتقط له الصور من القمة. ثم تطلق عليه جراح الفنادق في كوبنهاجن لقدرته على معالجة جراح صناعة الفندقة الملتهبة آنذاك.

وبعد أن اعتلى القمة بالصبر، وصنع البصمة بالكفاح، أراد تمويلا من البنك ليؤسس شركته الخاصة. ليست الغرابة في أن يتجه للبنك لطلب سلفة مالية بمبلغ 20 مليونا، ولكن الغرابة أن يفرض شروطا غريبة على البنك لينال القرض رغم عدم أهليته للحصول على المبلغ، فلا كفيل ضامنا، ولا عقار مقدما للرهن، الضمان الغريب العجيب الذي جعل قوانين البنك تتنحى جانبا هو قوله: «أنا أقوى شخص في إدارة الفنادق في الدنمارك بالأرقام الواقعية».

هذه نتيجة النجاح، والثقة، والسمعة، والخبرة، والإنجاز الملموس التي صنعها الصبر والكفاح والسعي، والمجاهدة كل صباح للوصول إلى الهدف المنشود، كل ذلك جعل البنك يوافق على تقديم المبلغ في أقل من 30 ساعة.

من هذه القصة يستوحي الباحث قاعدة من قواعد طلب العلم الرئيسية وهي تعلم مهارة الصبر، والاستمرارية رغم الظروف القاسية وسيأتي قطف ثمرة الصبر ذات يوم بإذن الله.

الحقيقة أنه لا يطالبك أحد أيها الباحث بأن تأكل من النفايات كما فعل عنان الجلالي، ولا أن تسكن بيوت الشباب، ولا أن تغسل الصحون لتنجح، فالمملكة الغالية كفلت لك ولعائلتك حق العيش الكريم أينما كنت في أرض الله لتحقيق هدفك الدراسي بكرامة وفخر بعطائها وفيض كرمها. والمطلوب أن تكابد هواك في أن تقرأ، وتكتب، وتتعلم كيف تقدم رسالة أكاديمية تحقق بها هدف رحلتك العلمية، تكتبها مستمتعا بألذ أنواع المشروبات التي حُرمها السيد الشاب، وبمكتب تتوفر فيه كثير من الخدمات الترفيهية التي تمناها غاسل الصحون ذات يوم.

تعلم الصبر على التقلبات التي ستعترض رحلتك العلمية. تعلم الصبر على الاستمرارية في مراحل الحياة الأكاديمية من الكتابة إلى جمع البيانات، وتحليلها، وصناعة عقد من اللآلئ المنثورة في تلك البيانات لتستوفي نظم العقد الفريد، وتحضيره للتسويق والعرض النهائي، وبهذا تقطف ثمرة الصبر والاستمرارية.

يا نفسُ صبرا فعُقْبَى الصبرِ صالحةٌ

لا بدَّ أن يأتي الرحمنُ بالفرجِ

@alahmadim2010