مرزوق بن تنباك

قلق الشيوخ على مستقبل الشباب

الثلاثاء - 16 فبراير 2021

Tue - 16 Feb 2021

قلق الشيوخ على مستقبل الشباب أمر غير مفهوم ويحتاج إلى مناقشة من الجانب المنطقي والموضوعي، فالمنطق يقول إن الأولى وقد تقدمت بهم السنون وشارفت النهاية المقدرة لهم من الحياة وضعفت مساهمتهم في الشأن العام أن يكون قلقهم على ما سوف يصيرون إليه وما هو قادم في مستقبلهم الذي لا يعلمونه، ويجب أن يقلقهم وإن فوضوا أمره إلى الله.

لكنهم بدل ذلك يقلقون على مستقبل الشباب ويعبرون عن قلقهم في أحاديثهم وذكرياتهم ويجودون بالنصائح والمواعظ، وسلاحهم مراحل العمر التي حصدوا فيها حصيلة من التجارب مروا بها بعد رحلة طويلة، وجل أحاديثهم عما سوف يكون عليه المستقبل الذي ينتظر الشباب برؤية عائدة لأيامهم وليست لقادم الأيام التي يخشون منها، وهي أيام ليست لهم على كل حال، بل هي للشباب الذين يتحدث الشيوخ عنهم بالنيابة ويقلقون عليهم وعلى ما سيصيرون إليه في المستقبل.

يدرك الشيوخ من ماضي تجاربهم أن البطالة خطر كبير يواجه الأجيال ويقدرون أن كثيرا من الشباب لن يجدوا عملا يليق بهم وأن الاقتصاد ومصادره وتنميته ستكون في السنين القادمة قليلة وشحيحة، وأن الأمن والاستقرار اللذين عاشهما الشيوخ قد لا يتحقق مثلهما لأولادهم، وأن الانفجار السكاني المرعب الذي يشهدونه اليوم سيكون عبئا ثقيلا على مقدرات الوطن، وأن المدن المليونية التي تتمدد عشوائيا على أديم الصحراء الظامئة خطر كبير لا يدرك خطورته غير الراسخين في التجارب، وإذا أرادوا دليلا قاطعا يدلون به لتأكيد ذلك استحضروا ماضيهم في بداية شبابهم وكيف كان الشح والقلة التي عهدوها شاقة ومخيفة وقاسية عليهم. كان هاجس الشيوخ مشروعا، وكانت أحاديثهم فيما بينهم في مجالس لا يحضرها العدد الكثير، يتبادلون آراءهم بينهم وقلما ينقلها غيرهم أو يعرفها، ثم أتاحت وسائل التواصل الحديث أن تكون أحاديث المجالس أحاديث عامة يقرؤها من حضر المجلس ومن كان عنه بعيدا.

من هذا القلق والأحاديث تغريدتان إحداهما لزميلنا الشاب عثمان الخويطر الذي ولد مع مولد النفط كما قرأت عنه في تويتر. يقول: لا يهمه نوع ما يأكل من الطعام ولا ما سوف يلبس ولا أين سيقضي رحلته السياحية مع أنه ليس من أرباب السياحة. ما يهمه ويشغل باله ما سوف نترك لأجيالنا من مصادر المعيشة ووسائل الحصول على ما يحميهم من الجوع فوق أرض هذه الصحراء القاحلة من المهارات المهنية.فيأتي الرد من زميلنا القديم وصديقنا الدائم الدكتور عبد العزيز السويل الذي يشاطر الشيخ عثمان قلقه نفسه، إلا أنه يستشكل ويثير الأسئلة ويعود ليضرب مثلا بقلق أجداده على أحفادهم وكيف انتابتهم المخاوف أن يعيش أحفادهم بضنك من العيش كعيشتهم وربما أسوأ لأنهم لم يوفروا عيشة أحسن في بلقع قفر.

ثم يستدرك ويقول: يا ترى هل ورد في أكثر أحلامهم - يقصد الأجداد - وردية ما فتح الله على أحفادهم؟

نقلت التغريدتين بتصرف غير مخل بالمعنى لتوافقهما في القلق المشروع في رأيهما، وكنت قبل أشهر في مجلس كل من حضره من الشيوخ، ولم يختلف رأيهم عما رأى الشيخ عثمان الخويطر، لكن أحدهم قطع الحديث واصطف إلى جانب الدكتور السويل، وقال: كنت طفلا ومعي أتراب لي لم تتجاوز أعمارنا العاشرة، وكان أحد المتحدثين ينظر إلينا بكثير من الشفقة ويقول: كيف سيكون حال هؤلاء الأطفال المساكين؟ وماذا سيكون مصيرهم البائس؟ ثم يضحك المتحدث، ويقول: ليت ذلك الرجل يعود للحياة ويرى كيف حالنا وما نحن فيه وما كان فيه هو وجيله وزمنه الذي كان مغتبطا به.

هذه مفارقات وأحوال وأقدار وصراع وجودي دائم مستمر بين الأجيال، لا تستطيع أن تميل لرأي دون آخر، ولا أن تقف بجانب الشيوخ ولا أن تنتصر للشباب، وتلك سنة الحياة وقانونها ومعجزة لا يكشف غامضها غير الله، لكن الاستشراف وعمل الأسباب والتخطيط ووضع الاحتمالات والحزم في الأمور ضرورة لا بد من أن تكون مقبولة من الطرفين.

Mtenback@