شاهر النهاري

حكاية جديدة لسيل العرم

الاثنين - 15 فبراير 2021

Mon - 15 Feb 2021

قصة تتأطر في التاريخ، فمن بيدهم الشرعية، شعروا باختلال حجارة السد الأعظم، فيصرخ كبيرهم المحبط وينتخي جاره الوفي، ليساعدهم في القضاء على الجرذان.

ويمد أهل السد الجار بمعلومات غير موثقة عن شراسة الجرذان وأعدادها، وكيف أن تغذيتها تصلها من الخارج، وهونوا مصبات السيول، وأكدوا خبرتهم وعزمهم في التخلص من نابشي أسس الحياة، جالبي العقيدة النارية والسنين العجاف.

كانوا أهل السد بكثرة تناحرهم قد سمحوا لمخالب الغدر أن تفرقهم وترعبهم، فتقتل من يعاندها، وتسلب كرامة من يقف ضدها، طمعا في الهيمنة التامة على الوادي المعروف بالسعيد، وحرمانهم من كرامتهم ومواسم زرعهم.

ويحضر جارهم بقوته وأحلافه لنجدتهم، كون أمر القوارض هينا، ولكنه يدرك حينها أن الضبع الأعجمي الخرافي هو من يحرك عقول القوارض من بعيد، يغذيهم معارف الخبث، ويدعمهم بكل ما يمتلك من وسائل وحقد لإحباط حلف المنقذين.

ورغم كثرة أهل السد، إلا أنهم كغثاء السيل، فلم يقفوا صفا أمام إرهاب الجرذان، بل وسمحوا لإخوان الشياطين بالدخول بينهم، بولاء خلافة عمياء، فرقت شملهم بمطامعها الدموية، وأمنياتها بإغراق الجيرة.

وبخفة الارتحال والاتكال، وتاريخ هجرة يتكرر، تغادر فلول ساكني السد من المسؤولين، والأغنياء والإعلاميين، ومن أصحاب الأيادي الماهرة، فلا يتبقى حول السد إلا المعدمون وكبار السن والنساء والأطفال، يعصرهم الجوع والمرض والحسرة وقلة الحيلة.

قوارض المنكر تجبرت وعمدت لتجنيد النساء والأطفال، واستخدمت حجارة السد دروعا لردع أي مصلح يقصد الترميم، وإزالة الخطر، الذي يمثلونه.

حرب طويله ظلت تعلو وتنخفض وتيرتها، مع بعد أهل السد وتكاسلهم، وكثرة الخيانات والانقسامات فيما بينهم، وتفريط بعضهم في حصتهم من السد لجهات تدفع أكثر.

الحلف المنقذ أصيب بالحيرة، فلم يعد يجد المخلصين بجانبه، وتعاظمت أعداد الجرذان، وزادت ممرات الدعم الضبعي، وتدخلت البومة والخفاش والحية الرقطاء لتمرير المعونات في الخفاء، وبحلم نيل أجزاء من السد ومياهه!

هيئة الأرض برمتها وقفت تتفرج، وتستعيد سيل العرم، وبعض الأقوياء مارسوا الضغوطات على المنقذ، وحاولوا مضايقته وتحجيم قدراته، والبعض دخل تحت غطاء المساعدات الإنسانية، وحقوق الإنسان، ومجلس النظام الأرضي، لا بغرض حل القضية، ولكن لسرقة نقوش الحجارة المهتزة.

الجار المنقذ بحلفه ووفائه وحزمه وعزمه ظل يحارب، ويعيد الأمل، ويبذل دماء أبنائه، ويدخل في مهاترات مع أهل الأطماع ليصلح بينهم، والقوارض تمادت، وتقدمت في فنون الحفر، وهددت عروبة أرض المنقذين بهجمات الضبع الأعجمي، والكيانات العظمى تزداد تغاضيا عما يسببه الضبع وأعوانه الجرذان من زعزعة وفوضى.

كيان السد العريق يختل يوما بعد يوم، وأهل السد يتفرجون، وينتظرون المعجزة، التي لا يستعجلونها، وتدعيم السد يتأخر، ونزق الجرذان يتمادى، ويجعل السقوط وشيكا.

المخلصون للسد قليل، والمستفيدون من استمرار الكارثة كثر، يبادرون بكل قواهم كلما ضاق الخناق على الضبع، فيوقفون القتال، ويحملون القوارض للمؤتمرات البعيدة، يهادونهم بالهدنات، ويشحنونهم بمزيد من التسويف والتلاعب، وإعادة التموضع، واليقظة، والاستزادة من القوة، وتمكين الوقفة، وإعادة زرع الفخاخ، وتهيئة الجحور للحافرين.

لقد فشل أهل السد في الوقوف صفا مع المنقذ، وفشل الأقوياء في إيجاد حل يرتجى، والعدالة الكونية ما تزال غائبة، ولكن المنقذ المخلص يزداد إصرارا ويقينا بتحقيق أهداف نجدته وتحصين جيرته.

shaheralnahari@