عبدالله قاسم العنزي

العقود الصورية وآثارها

الاحد - 14 فبراير 2021

Sun - 14 Feb 2021

توثيق الحقوق والمعاملات في شتى مجالات الحياة له أهمية في مستقبل أي معاملة قد يحدث عليها تغير أو خلاف، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه، وليكتب بينكم كاتب بالعدل، ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب، وليملل الذي عليه الحق»، ومن أبرز ما يوثق المعاملات التجارية وغيرها هي العقود بمختلف أقسامها.

ومما يحدث إشكالا كبيرا في أروقة القضاء هي العقود الصورية والتي يلجأ المتعاقدون إلى ستر وإخفاء تصرف حقيقي بإظهار تصرف آخر وهذا كثيرا ما يحدث عند بعض الموظفين في القطاع الحكومي أنهم يضعون أسماء سجلات تجارية بأسماء أقربائهم أو أصدقائهم أو قد تكون الصورية في الثمن لقصد التهرب الضريبي أو شخص يضع عقارا باسم قريب له للحصول على الدعم، والصورية في العقود تتخذ أشكالا متعددة لا يسع المقام لبسطها والقصد من ذلك التحايل وتجاوز بعض العقبات النظامية!

إن فقهاء القانون يعرفون العقود الصورية بأنها «اتخاذ مظهر غير حقيقي لإخفاء تصرف حقيقي، وذلك بأن يتفق طرفان على إخفاء إرادتهما الحقيقية بقصد تصرف حقيقي عن الغير»، والسؤال المهم في سياق حديثنا ما هو موقف القضاء من العقود الصورية؟ وما هي آثارها القانونية؟

الجواب: ببساطة ودون تعقيد أن محكمة الموضوع ملزمة بإعطاء الدعوى وصفها القانوني الصحيح وإنزال الحكم الشرعي والنظامي عليها دون التقيد بدعوى الخصوم، بقطع النظر عن العبارات التي صيغت بها العقود أو طلبات الخصوم، بمعنى أن المحكمة تنظر في: هل العقد محل الدعوى حقيقي أم صوري؟ من خلال ملابسات الواقعة والنظر فيما قصد المتعاقدان العقد الظاهر أم عقدا آخر، أما بالنسبة للغير من الدائنين أو الخلف الخاص يجوز لهم أن يثبتوا صورية العقد الظاهر بجميع طرق الإثبات ومنهما البينة والقرائن.

وقد حدثت وقائع كثيرة ومتنوعة بسبب صورية العقود، ولم ينظر القضاء السعودي إلى صورية العقود لأن العبرة بحقيقة العقد لا بظاهره وصورته المعلنة، ومما نذكر وقائع قضائية أنه تنازع أختان مع أخوهما على ضم عقار للإرث، وكان أخوهما يدفع بأن التملك حقيقي للعقار وليس صوريا، وملخص الواقعة بأن والد الفتاتين يملك أرضا أفرغها لأخيهما المدعى عليه من أجل أن يأخذ قرضا من صندوق التنمية العقاري، وتوفي والدهما ولم يرجع المدعى عليه العقار إلى ملك والدهما، فطلبت محكمة الموضوع من المدعية البينة فأحضرت شهودا على أن الأرض تعود لملكية والدهما، وأن عقد البيع الذي تم بين أخيهما وأبيهما إنما هو عقد صوري، وبذلك لم تنظر المحكمة لدفع الأخ وأخذت ببينة الأختين، كما أن المستقر في القضاء أن وجود البينة المثبتة للملكية في العقود الصورية معتبرة قضاء.

وختاما، إن مثل هذه الإجراءات التي تتخذ في المعاملات للقفز على بعض الأنظمة أو لأي غرض كان مخاطرة كبيرة على الحقوق، فقد يهضم الحق ويضيع إما بموت صاحبه أو بإنكار الطرف الآخر، ومن المناسب أن يكون محرر بين المتعاقدين يثبت الإرادة المصاحبة للتصرف الظاهر بين المتعاقدين وهو ما يعرف قانونا بورقة الضد.

@expert_55