فهد عبدالله

استقلالية التفكير

الأحد - 14 فبراير 2021

Sun - 14 Feb 2021

من السلوكيات العلمية التي في الحقيقة أتلمس أهميتها في رفع مستوى الوعي والاستقلالية في التفكير أن يعرض مثلا الكاتب أو المحاضر الرأي الذي يتبناه وفي الوقت نفسه يتطرق إلى الرؤى الناقدة لذلك الرأي والموضوع، ويتناولها تحليلا، ويبدي حيالها الموافقة أو الرفض أو الحياد. ابتداء تجعل صاحب الرأي يخرج تلقائيا من مدرسة الرأي الواحد، لأنه تعرض لتلك الآراء المختلفة، وفي المقام الثاني أحاط ذلك الرأي بوشاح الاحترام لعقول من يقرأ أو يستمع له من خلال عرضه للآراء الناقدة، وأخيرا حجم الرسائل غير المباشرة التي يتلقاها الطرف الآخر في جانب استقلالية التفكير.

يصيبني شيء من الفرح عندما أرى ذلك الفصل أو الموضوع الجانبي الذي يخصص له المؤلف عنوان النقد لهذه النظرية أو الفكرة (Criticism) التي ذكرها في كتابه، وهذا المنظر مألوف جدا في أمهات الكتب الأكاديمية، وبمجرد أن تقع عيني على هذا المحور أقول في نفسي شكرا لك أيها المؤلف المحترم جدا كردة فعل على ما قام به من احترام تجاه القراء والطلاب من خلال تسليط الضوء على تلك الآراء التي قد تناقض ما يتبناه من رأي.

وقد يظهر جليا في عقلك أهمية جانب الاستقلالية في التفكير عندما مثلا تكون متبنيا لموقف فكري معين في وقت سابق وبعد فترة من الزمن وجدت نفسك في حياض رأي يختلف كليا أو جزئيا عن ذلك الموقف الفكري القديم، فحينها ستظهر في شاشة العقل لديك ذلك الاستدراك الذي يقول: ماذا لو كان هناك استطراد في التعرف على الحالات النقدية لذلك الموقف الفكري القديم في حينها؟ أو ماذا لو بحثت وتعرفت على الآراء المخالفة بكل ما أعطيت من قوة في التجرد؟ وكذلك استدعاء للمقاييس العلمية ما استطعت إلى ذلك سبيلا، بالتأكيد

سيكون النضج أسرع وتيرة من انتظار المواقف والأزمان تقوم بدورها في تحديث الأفكار.

تراكم بناء هذا الجانب في التركيبة الذهنية لدى الإنسان، وأقصد بها معرفة الرأي والآراء الناقدة التي دارت حوله وأيضا معرفة الآراء الأخرى المخالفة والنظرات الإيجابية لها وأيضا الناقدة، بالتأكيد سيخلف كينونة شخصية فريدة تدير الأفكار بعقلها، وليست الأفكار هي من تدير العقل كما هو في حالة الرأي المجرد من النظر في الجوانب الناقدة أو عدم النظر المتجرد للآراء الأخرى.

ليس هذا فحسب، بل سيتجاوز أثر هذه التركيبة الذهنية إلى أمور حياتية في غاية الأهمية، مثل صناعة القرار وفعالية الحوار والتقدم في حساسية ميزان الأحكام تجاه الأمور من حولنا، فضلا عن الطرق المختصرة والمجودة في الوصول للخلاصات والنتائج، إضافة إلى الهدوء الذي يرتسم على الإدراك والسلوك عند سماع تلك الأفكار التي قد نطلق عليها شاطحة أو خارج الصندوق.

الخلاصة أنه قد لا يكون هذا الأمر مستساغا بأن أنظر نظرة بانورامية لكل رأي أو فكرة أقف عليها لصعوبة ذلك، ولكن أرجوك إذا شعرت بأهمية الرأي في توجيه مقاليد الحياة لديك أو له أثر يتجاوز حدود الزمن لشخصك الكريم أو يتجاوز أثره حدودك الشخصية إلى الآخرين؛ عندها قد يكون واجبا في حقك واحتراما لعقلك وعقل غيرك أن تحيط بالآراء من جميع الجوانب.