فيصل الشمري

بايدن وبريكليس

الاثنين - 08 فبراير 2021

Mon - 08 Feb 2021

كانت لحظة اضطراب سياسي وانزعاج عام. لحظة جائحة رهيبة وسياسيين ديماغوجيين، تلعب على عواطف الجماهير، لحظة حزن على الموتى وتحفيز الأحياء. لقد كانت كلمة ألقاها حاكم الدولة، تماما كما تعود أنصاره ومن قبل أولئك الذين يحكمهم. هذه اللحظة التاريخية لم تحدث هذا الشهر فقط في أعظم ديمقراطية في العالم، ولكن أيضا حدثت قبل 2500 عام في أعظم ديمقراطية في العالم آنذاك.

للوهلة الأولى، يبدو من المبالغة مقارنة خطاب تنصيب الرئيس جو بايدن للشعب الأمريكي بخطبة الجنازة الشهيرة التي ألقاها بريكليس للشعب الأثيني. على الرغم من ذلك، يمكننا أن نرى كيف أن سياق كلتا الحقبتين ومحتوى كل من العنوانين وشخصية كلا المتحدثين يربط بين القرون التي تفصل بينهما. عندما ألقى بريكليس خطابه عام 431 قبل الميلاد، اشتعلت النيران في حرب أهلية طويلة مشتعلة في البحر الأبيض المتوسط. لم تكن، باعتراف الجميع حربا بين الأثينيين أنفسهم، لكنها هي التي وضعت أثينا ضد إسبارتا. على الرغم من أنها مدن مختلفة، إلا أن شعوبها كانت يونانية بشكل كامل ومتساوٍ، وقد توحدت قبل عقود قليلة فقط في الدفاع عن اليونان ضد الغزاة الفرس، كانت طبيعة الحرب قتل الإخوة لبعضهم فهم إخوة الوطن، لذلك على عكس الحروب ضد الفرس العدو الخارجي، أعلن المؤرخ ثيوسيديدس أنها «الأعظم» في جميع الحروب اليونانية.

كانت مناسبة الخطاب حدادا على جنود أثينا الذين قتلوا في السنة الأولى من الحرب، لكنها كانت لحظة لتكريس فكر الأرض التي سقطوا عليها، كانت أيضا لحظة الاحتفال بالمدينة والقيم التي ضحى هؤلاء الرجال بحياتهم من أجلها. لهذا السبب، لا يتحدث بريكليس بصيغة ضمير المفرد المتكلم، ولكن بصيغة الجمع، ويعلن أن دستور أثينا يجعلنا جميعا «متساوين أمام القانون». إنه يضمن ديمقراطية تكون فيها «السلطة في أيدي الجميع وليس قلة»، مما يؤكد أن الفرد يتقدم «ليس من خلال ولادته في طبقة معينة، ولكن من خلال القدرة الفعلية للفرد». حتى إنها أكثر بساطة، إنها ديمقراطية لأنه بينما الأثينيون «أحرار ومتسامحون في حياتنا الخاصة، فإننا نلتزم بالقانون في الشؤون العامة».

عند التحديق في الرجال والنساء المجتمعين في هذه اللحظة الجلية، يذكرهم بريكليس بالأوقات الصعبة التي يواجهونها، كانت الأزمة قد بدأت لتوها، يذكر جمهوره أيضا بأن أثينا تمر في اختبار عظيم. إذا استمر الأثينيون في حب القانون والاستماع إلى العقل فسوف ينتصرون. ويعلن قائلا «مدينتنا هي دريس لكل اليونان».

بعد ما يقرب من 2500 عام، سمعنا صدى قوي لكلمات بريكليس في كلمة تنصيب الرئيس بايدن. مثل بريكليس، أعلن أن انتصاره لا يتعلق به، بل يتعلق بـ «قضية الديمقراطية». وأعلن أن أمريكا «اختُبرت» كأمة من خلال حربنا الأهلية، وأن «القصة الأمريكية لا تعتمد على أي واحد، وليس على بعضنا بل على جميع الأمريكيين». لقد ذكرنا بـ «طريقتنا الأمريكية الفريدة - الثائرة، الجريئة، المتفائلة»، وصف يتطابق مع الصفات الأثينية الفريدة التي أشاد بها بريكليس. وللمرة الأولى منذ بداية الوباء، طلب لحظة صمت حدادا على كل من مات من الشعب الأمريكي.

هناك بالطبع اختلافات جوهرية، فعندما تحدث بريكليس لم يكن حق المواطنة للنساء ولا العبيد، والنساء لم يتم اعتبارهن متساويات، فإن المستعبدين - الذين بنوا الآثار الدائمة لأثينا - لم يرتقوا ليكونوا في مرتبة الإنسان. عندما تحدث بايدن كانت خلفه أول امرأة ونائب رئيس من أصول هندية وجاميكية، أيضا مبنى الكابيتول الذي بناه العبيد ويدافع عنه الآن أحفادهم المحررون.

هناك اختلاف آخر، وهو أن الوباء في أمريكا بدأ قبل عام، وحول الحياة والاقتصاد إلى جحيم وموت الأقارب مأساة. ولكن عندما تحدث بريكليس، لم يكن الطاعون قد انفجر بعد في أثينا. في رواية ثيوسيديدس الشهيرة، فإن الطاعون بدأ بقوة في أعقاب خطاب بريكليس. لم يقتله فحسب، بل إنه كما يعتقد المؤرخون الآن، أنهى الطاعون أيضا عصر عظمة أثينا. ما لا يقل عن السهام التي أطلقتها الأيدي اليونانية الأخرى عليهم، فقد أدت السهام التي أطلقها أبولو - التفسير الأسطوري للطاعون - إلى إنهاء أول تجربة ديمقراطية في العالم.

لم يحدث هذا بعد للديمقراطية الأمريكية المستوحاة من ديمقراطية أثينا، ووعد بايدن بجعل أمريكا «القوة الرائدة من أجل الخير في العالم»، يجب أن نتذكر أيضا تحذيره من أن «الديمقراطية هشة»، هل يستطيع بايدن العبور بالديمقراطية الأمريكية لبر الأمان أم سيكون مثل بريكليس؟

mr_alshammeri@