بندر الزهراني

إشكاليات لفظية في قوالب وطنية

السبت - 06 فبراير 2021

Sat - 06 Feb 2021

في جامعة عريقة كجامعة الملك عبدالعزيز منذ ما يقارب العقدين والإدارة العليا للجامعة تطلق على منسوبي الجامعة وطلابها بشكل رسمي لقب «العزيزيون»، ويلاحظ زائر الحرم الجامعي عبارة «أنا العزيزي» مكتوبة بالخط العريض في بهو عمادة شؤون الطلاب، وعلامة تظهر ضمن الخدمات الالكترونية المقدمة من عمادة تقنية المعلومات، وبقطع النظر عن دوافع إدارة الجامعة السابقة من وراء هذا اللقب، وصمت الإدارة الحالية، إلا أننا سنجده من الإشكالية بمكان لو صارت هذه الألقاب موضة بين الجامعات المحلية.

فعلى سبيل المثال، لو جاءت إدارة جامعة الملك سعود وأطلقت على منسوبي الجامعة وطلابها لقب «السعوديون»، وقدمت لهم خدماتها الالكترونية تحت مسمى «أنا السعودي»، ترى حينئذ كيف سنصنف طلاب الجامعات الأخرى بعد هذا الوصف الوطني الصرف؟! بلا شك سنقع في إشكالية حقيقية، خذوا مثالا آخر: جامعة أم القرى، إذا سلمنا بموضة العزيزيين هذه، فهل سنطلق على منسوبيها وطلابها لقب «القرويون» أم «الأميّون» أم الاثنين معا؟! في كل الأحوال النتيجة صادمة! وقس على ذلك طلاب جامعة الطائف لو قلنا عنهم «الطائفيون» وهنا الكارثة إن فعلنا.

ويبدو أن إدارات جامعة الملك عبدالعزيز رائدة في ابتكار الأسماء والألقاب، فهي منذ مدة أطلقت على الجامعة في المطبوعات الرسمية وعلى ألسنة مسؤوليها اسم «جامعة المؤسس»، وما زال يستخدم رسميا إلى هذا اليوم، وهذا يعني أن الجامعة تحمل اسمين، وربما هذه سابقة لم تحدث من قبل في أي جامعة عالمية أو محلية إذا ما استثنينا جامعة «المستقبل» كما يُروج لتسميتها بأكثر من اسم هذه الأيام، وقياسا على هذا الابتكار النوعي ليس هناك من مانع يمنع أي جامعة محلية من أن تتسمّى باسمين أو ثلاثة أو حتى أربعة، وهنا سندخل مرة أخرى في إشكاليات اللفظ.

ليس إشكاليات لفظية فحسب، بل ربما منازعات عليها، فلو أحسنّا الظن وقلنا إن الدوافع كانت وطنية في حال العزيزيين وجامعة المؤسس، فسنجد أن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من حقها الوطني والأدبي أن تتسمّى بمدينة المؤسس، ولو قال الواحد من منسوبيها «أنا العزيزي» لقلنا له تماشيا مع موضة العزيزيين: تم، وبالتالي قد نشهد تنافسا شكليا لا معنى له في إظهار المحبة والولاء باستخدام الشعارات الوطنية من قبل مسؤولي الجامعات والمراكز البحثية، وربما المرافق الحكومية الأخرى.

لسنا ضد استخدام الشعارات الوطنية في الجامعات والمحافل الأكاديمية، بل على العكس من ذلك تماما، إلا أن انتشار مثل هذه الممارسات وباستخدام الألفاظ والشعارات المقولبة في قوالب وطنية يعطي انطباعا ما بأن المصلحة الشخصية للإدارات العليا في الجامعات تطغى على المشاهد الوطنية الحقيقية، وهذا كله يحدث في ظل غياب الوزارة عن المشهد أو عدم اكتراثها به، ولعلنا هنا نتساءل عن دور الوزارة المرجعي في إطلاق مثل هذه الألقاب والأسماء، وهل هي سكتت وتركت الباب مواربا أمام اجتهادات المجتهدين أم إنها رأت ذلك إبداعا وابتكارا وتميزا فاستحسنته ورضيت به؟!

لا شك في أن الوطن وقيادته أكبر من كل أولئك الذين يحاولون اختزاله في رؤاهم ومصالحهم الشخصية، وعلى هذا الأساس كان ينبغي أن يتجلى دور الوزارة في إلزام الجامعات بنظام واحد يضبط مثل هذه الاجتهادات، وإلا فالملك عبدالعزيز - طيّب الله ثراه- لو أرادها لقال: أنا العزيزي، ولقلناها معه قيادة وشعبا وبقلب وصوت واحد.

انظروا إلى الوسط الرياضي وكيف هي خلافاتهم على ألقاب كالملكي والزعيم والعالمي والعميد! إشكالات خطيرة انغمسوا فيها، وإن كنا قد نعذر هذا الوسط لما فيه من تعصب أعمى وغوغائية، ولكننا في الحالة الأكاديمية لا نجد أعذارا لمن يسلك هذا المنزلق وينحو منحاه بسطحية وسذاجة، وكان بودنا لو أننا عرفنا هذا الإداري الجهبذ صاحب بدعة «أنا العزيزي»، على الأقل كنا أعطيناه شيئا مما يستحق ويوازي ابتداعه العظيم!

drbmaz@