فهد عبدالله

إذا اهتممت بالجذور اهتمت الأغصان بنفسها

الخميس - 04 فبراير 2021

Thu - 04 Feb 2021

تشرفت بالعمل مع فريق مميز لإنشاء منصة الكترونية تهتم بإدارة المعرفة لإحدى المؤسسات العريقة، وكنا نفكر بصوت مرتفع في بداية المشروع: كيف يمكن لنا أن نجعل هذه المنصة الالكترونية تحقق أكبر فائدة من وجودها؟ وبدأت الأفكار تأتي من كل حدب وصوب، ولم نستعجل كثيرا في هذه المرحلة لإيماننا بأن مرحلة وضع الأهداف والخطط هي المرحلة الذهبية، التي بمجرد أن تصل لتمامها على وجه الكمال الذي نعتقد فستكون مسألة التنفيذ والإدارة مجرد مسألة وقت وجهد.

الحمد الله تضافرت الجهود وكانت مسارات الأهداف والخطط في أفضل صورة لها كما نعتقد ونؤمن، أحد أهم هذه الأهداف، وهو مدار مقالنا هنا، هو كيف يمكن لهذه المنصة المعرفية أن تحل جذور مشكلة التوارث المعرفي بين أصحاب الخبرات والأجيال التي ما زالت تخط مسارها العلمي والعملي؟ شكرا من الأعماق لفريق العمل وأرجو أن يكون التوفيق حليفنا في ذلك.

في كثير من الأحيان سواء على الصعيد الشخصي أو المؤسساتي، يبدأ مسار المشاكل المركبة عندما يكون هناك انحراف بسيط لا يذكر في بداية الطريق عن مسارات الأهداف المرصودة، وبعد ذلك يكون ملاحظا بعد عشرات الأمتار، وسيكون لافتا وواضحا للغاية بعد بضع عشرات من الأمتار، وعندها تتمايز ردود الأفعال في الحلول بين من يضع حلولا تهتم بمحاولة تقليل الانحراف عند آخر نقطة وصل لها المسار، وبين تلك الحلول التي تنظر لأسباب ذلك الانحراف البسيط الذي ظهر في بداية الطريق ومحاولة حله جذريا، وإن كان مصاحبا لضريبة في الجهد والوقت والمال.

ومن التجارب المتعددة والمرئية التي يمكن لك أيضا أن تتأملها ستظل الحلول الجزئية والمؤقتة للأمتار الأخيرة في الأغلب بمثابة المسكنات لأعراض المرض، التي تهدئ من الألم ولا تلغي المرض، ومن طبيعة هذه الحلول أنها بمجرد انتهاء وقت الأثر سيظهر الألم مرة أخرى أو يظهر ألم جديد مغاير عن ذلك الألم السابق، هكذا هي المسكنات لن تكون قادرة على تلبية تلك الأماني بحلول المشاكل الجذرية، بل في بعض الأحيان تزيد من معيارية المشكلة لأنها أضافت وقتا إضافيا لبقاء المشكلة الأم التي يزيد انحرافها مع الزمن.

والوعي والنضج والتصرفات السديدة تحكي أنه لا بد مع التعامل مع الانحرافات البسيطة التي تظهر عند الابتداء بمثابة التعامل مع هالة المشكلة المتضخمة عندما ينحرف مسارها بعيدا عن خط الاستواء، كي تمنع الهدر في الجهود والأوقات والأموال التي تبذل في تصحيح المسارات مرة أخرى. ولا بد من التنبيه هنا إلى شيء هام، هو أنه كلما كثرت تلك المشاكل المركبة التي يتم التعامل معها بعد الانحرافات البعيدة ستتطبع السلوكيات الشخصية أو المؤسسية بطابع إدارة الطوارئ، التي تلهث لمعالجة الأمور في أغلب الأوقات.

أطلق النظر في جميع الاتجاهات، ستجد أن هذه القاعدة تعمل بامتياز في صيانة المعدات والأجهزة، وفي التربية والإدارة وإصلاح ذات البين، والأعمال التجارية والقانونية.. إلخ، إصلاح بدايات الانحرافات أقل وطأة وتكلفة من تلك الإصلاحات التي تأتي متأخرة، والاهتمام بالأسباب الجذرية يقي من مصارع العك الإداري والمالي، وإذا اهتممت بالجذور اهتمت الأغصان بنفسها.

fahdabdullahz@